على طريقة أبو الطيب المتنبي .. وإذا أصابتني السهام تكسرت النصال على النصال، إحتار اللبنانيون من أين تأتيهم التطورات الصادمة، والمفاجآت غير السارة، طوال الأسبوع الماضي.
من إنفجار إشتباكات مخيم عين الحلوة والتوقعات لإحتمال انتقالها إلى مخيمات أخرى، مع ما تردد عن خطط لإستهداف الجيش وإستدراج قيادته إلى حرب إستنزاف مع المنظمات الفلسطينية المتطرفة، على نحو ما حصل في مخيم نهر البارد.
إلى إشكالية الإقتراض الحكومي من البنك المركزي وهدر ما تبقَّى من أموال المودعين في الإحتياطي الإلزامي.
إلى جمود الحركة في الملف الرئاسي وترجيح إستمرار الشغور في بعبدا حتى نهاية العام الجاري.
إلى البيانات الصادرة عن سفارات دول مجلس التعاون الخليجي بدعوة مواطنيهم إلى توخي الحيطة والحذر على خلفية النار المشتعلة في عين الحلوة، وطلب السعودية ودول أخرى من مواطنيها مغادرة لبنان بالسرعة اللازمة.
وأخيراً إلى إستعادة المشاهد السوداء لإنفجار المرفأ الزلزالي، وسط إستمرار تعليق التحقيق القضائي، وضياع الحقيقة، وإفتقاد العدالة، وتخاذل القضاء.
لا شك أن تراكم مثل هذه المشاكل ومضاعفاتها تفوق قدرة أي موطن في بلدان العالم على تحمُّلها، ولكن يبدو أن اللبنانيين إعتادوا العيش مع الأزمات وتداعياتها، دون أن يفقدوا الأمل بالخروج من دوامة المشاكل والإنهيار، عملاً بالقول المعروف في مثل هذه الظروف: إشتدي أزمة تنفرجي!
فهل نحن أمام إنفراج وشيك؟
من الصعوبة الإجابة على مثل هذا التساؤل، في خضم الظروف المعقدة التي تحيط بالوضع اللبناني ، داخلياً وإقليمياً، عربياً ودولياً. فإندلاع إشتباكات عين الحلوة، لم تكن نتيجة حادث فردي في إغتيال أحد قادة «فتح»الأمنيين في المخيم، بقدر ما هي حرب إقليمية للإمساك بالقرار الفلسطيني، غداة نجاح مساعي تقريب المواقف والتنسيق بين القيادات الفلسطينية في مدينة العلمين المصرية. لبنان كالعادة كان ميداناً لحروب الآخرين، وساحة لتصفية الحسابات الخارجية ، وإستغلال غياب الدولة اللبنانية وسيادتها على أراضيها.
ولا نُغالي إذا قلنا أن بيان السفارة السعودية المفاجئ، وما تبعه من البيانات المماثلة، قد أثار مخاوف اللبنانيين، أكثر من عنف الصواريخ ودوي الإنفجارات في عين الحلوة وضواحي صيدا، لأن المعارك الفلسطينية بقيت محصورة في مربع المخيم، ولم تصل نيرانها حتى إلى عاصمة الجنوب.
طبعاً من حق كل دولة أن تسهر على أمن وسلامة مواطنيها في الخارج، خاصة في بلد مثل لبنان يفتقد إلى مقومات الإستقرار الدائم، ويبقى عُرضة للصدمات الأمنية، ولكن ما خفف من وطأة بيانات السفارات الخليجية عدم وجود عدد كبير من الأشقاء العرب في لبنان حالياً، لأن إجراءات منع السفر إلى بيروت مازالت سارية المفعول في السعودية وأبو ظبي والبحرين، في حين أن حركة الأشقاء الكويتيين والقطريين والعُمانيين تكاد تقتصر على أصحاب الأملاك في المصايف اللبنانية. وليس ما يُشير إلى أن حركة تدفق المغتربين الكثيفة قد تأثرت بأحداث عين الحلوة، حيث إستمرت حركة المطار على معدلاتها المرتفعة طوال الأسبوع الماضي.
أما الوضع السياسي الداخلي فكان أمام مشهدين جديدين، الأول يعبر عن هزالة السلطة الحالية والقائمين عليها، والثاني يُجسّد إرادة الإصلاح الوثّابة لدى الحاكمية الجديدة للبنك المركزي.
في المشهد الأول، أبرز كلام رئيس الحكومة نجيب ميقاتي حول إنعقاد جلسة لمجلس وزراء حكومة تصريف الأعمال في الصرح البطريركي في الديمان، هزالة ما تبقَّى من سلطة الدولة وضياعها، بسبب إرتكاب بعض المسؤولين هرتقات دستورية، ما أنزل الله بها من سلطان، وذلك في مناورات سطحية ونكايات شخصية، يدفع أثمانها البلد غالياً من إستقراره وإقتصاده. ولم ينفع الإستدراك الميقاتي لاحقاً في تحويل الجلسة الحكومية إلى لقاء وزاري، في التخفيف من وزر مثل هذه الممارسات التي تشجع التطاول على السلطة الشرعية، وعلى مقام رئاسة الوزراء بالذات.
أما في المشهد الثاني، فالصورة أكثر إشراقاً حيث وضعت الحاكمية الجديدة للمركزي خريطة طريق مرحلية للإمساك بالوضع المالي، وإنهاء مرحلة الفوضى والتسيّب في تمويل نفقات الحكومة من أموال المودعين، دون حسيب أو رقيب، ودون تحديد سقف الإقتراض.
الحاكم بالوكالة وسيم منصوري ورفاقه النواب الثلاثة وضعوا الخطة أمام لجنة الإدارة والعدل، ثم كانت محور مناقشاتهم في السراي مع رئيس الحكومة ومعاونيه، وخلاصتها أن لا تمويل للحكومة دون تحقيق إصلاحات، وأن الإقتراض من أموال المودعين في الإحتياطي الإلزامي يجب أن يتم بموجب قانون يصدر عن مجلس النواب، لتتحمل السلطة السياسية تبعات «مد اليد» على أموال المودعين، المحرومين من مدخراتهم.
ولكن فجأة تراجع رئيس الحكومة عن تبني مشروع القانون في مجلس الوزراء، رغم إعداد صيغته في السراي، رامياً الكرة إلى مجلس النواب، حيث بقيت المسألة تدور في دوامة المناورات السياسية المعهودة، ورواتب العاملين في القطاع العام والأجهزة العسكرية والأمنية مُعلّقة بإتمام القرض الجديد للحكومة المتعثرة أصلاً.
إن الإصرار على ربط الإقتراض بالإصلاحات يُعتبر بمثابة الخطوة الأولى نحو الإصلاح الجدّي، في دولة على شفير الإفلاس، بسبب فشل السلطة الحاكمة، وفساد المنظومة السياسية..
فهل تكون الإنطلاقة الأولى للإصلاح من البنك المركزي الذي كان حتى الأمس القريب مموّل الفساد؟