مؤسف طبعاً أن تدخل في باب “المتفرقات” أحداث من نوع تجدّد الاشتباكات بالأسلحة الصاروخية والخفيفة في حي الشراونة البعلبكي، أو حصول ما يشبهها بين عائلتين في ليلكي الضاحية الجنوبية، أو اندلاع مواجهات مماثلة في مخيم الرشيدية قرب صور واستمرارها ساعات وسقوط قتلى وجرحى. أما إصابة طفلة في ببنين (عكار) برصاصة طائشة في العمود الفقري فصارت خبراً مهملاً لا يشار إليه بسطر، أو يُلحظ بثانية في التلفزيون.
لا يخفى على أحد أن “تنوّع” التسلّح غير الشرعي وفقدان سلطة الدولة كانا يتيحان تلك الممارسات قبل ان تسقط البلاد في حال الإنهيار، وقبل أن يتذرّع المسؤولون باختصار الدوريات وغلاء قطع الغيار. وإذا كانت قضية اشتباكات العشائر والسلاح الفالت مقدوراً عليها حين يُرفع الغطاء جدياً ويُعطى “الضوء الأخضر” لقوى الشرعية بلا لف ودوران، وإذا كان سلاح “حزب الله” مسألة قائمة بذاتها تشكل لبّ مشكلة عدم قيام الدولة، فإن ظهور أحد المخيمات الفلسطينية مجدداً على مسرح الأحداث والسلاح يضيف الى التعقيدات، خصوصاً إذا عرَّض أمن لبنان الى مغامرات وهدّد مهمة “القوات الدولية” التي نعاني لتجديد ولايتها كل عام.
لا يختلف كثيرون على أن العمل الفلسطيني المسلح في لبنان فقدَ مبرراته بعد انقسام اللبنانيين حوله ودخول منظمة التحرير طرفاً رئيسياً في “الحرب الأهلية” وما تلاها من اجتياح. ومنذ ذلك الحين تحوّل هذا السلاح ورقة اقليمية تنازعها بالدم ياسر عرفات وحافظ الأسد ثم ورَثَتُهما، الى ان صارت المخيمات “غيتوات” تضم كل شيء، من اتباع الشرعية الفلسطينية الذين ينسّقون مع القوى الأمنية اللبنانية، الى مقاتلي “حماس” المتكاتفين مع “حزب الله”، وصولاً الى التكفيريين والخارجين على القانون ومروجي المخدرات. أما مساهمة هذه “التلوينة” المسلحة في تحرير فلسطين فتكاد تتحول نكتة على شفاه أهل المخيمات قبل أن تشكل سؤالاً مشروعاً ومُرّاً لدى أي مواطن يرفض انتهاك سيادة لبنان.
لا يذكُر لبنانيون كثيرون ان طاولة الحوار التي عُقدت بعد “ثورة الأرز” بحضور السيد حسن نصرالله أقرّت تسليم السلاح الفلسطيني خارج المخيمات تمهيداً لمعالجته داخلها، لكن الجميع يعلم أن كل السلاح بقي وربما ازداد. وهو، وإن لم يتسبّب في كل المخيمات بحرب طاحنة على غرار “نهر البارد”، فإنه تحول عبئاً ثقيلاً على سكانها ولا يستفيد منه الا حملة السلاح ومشغلوهم.
لا شيء يبرر السلاح الفلسطيني لا داخل المخيمات ولا خارجها. فقضية فلسطين قائمة ومتجذّرة في الضفة وغزة وعكا ويافا والقدس حيث مكانها الصحيح، وما عداه ممارسات استعراضية مؤذية تزيد معاناة سكان المخيمات الذين كفروا بواقعهم الى حدّ التظاهر امام سفارة كندا طلباً للنجاة، مثلما تساهم في تفكك سلطة الدولة اللبنانية لمصلحة الميليشيات، وتعود بالعلاقات اللبنانية الفلسطينية التي شهدت مراجعات واعتذارات سنيناً طويلة الى الوراء.
هناك وظيفة واحدة لسلاح “الرشيدية” بالتحديد. مِنه ومِن جواره تنطلق “غب الطلب”، وفق أوضاع التوتر الاقليمي ومفاوضات “النووي”، صواريخ “مجهولة” تُلصَق بتنظيمات فلسطينية مفتعلة، بانتظار يوم آخر من الاستخدام بالإيجار.