كان يكفي أن تتسرّب عبارة نقلت عن الرئيس الأميركي باراك أوباما، أثناء استقباله بطاركة المشرق الذين شاركوا في مؤتمر “دفاعاً عن المسيحيين”، مفادها بان الرئيس السوري بشّار الأسد “حمى المسيحيين في سوريا” حتى تقوم قيامة فريق الرابع عشر من آذار في لبنان. يروّج هؤلاء، في وسائل اعلامهم، نفي “مصادر أميركية” لعبارة أوباما هذه، رغم أن أي نفي رسمي لم يصدر عن الادارة الأميركية، أو عن سفارتها في بيروت.
وهم برغم “اقتناعهم” بأن ما نقل عن سيد البيت الأبيض “مفبرك”، لم يحل ذلك دون محاولاتهم الحثيثة لـ “ضبط المطلوب” الذي سرّب العبارة. و”المطلوب” هنا، في اعتقاد مصادر هذا الفريق، ليس إلا بطريرك انطاكيا وسائر المشرق للروم الكاثوليك غريغوريوس الثالث لحام!
إذاً لحّام هو «المذنب»، وخصوصاً أن جسمه “لبّيس”. فلطالما نظر فريق 14 آذار الى البطريرك على أنه، بحسب مصادر مسيحية في هذا الفريق، «تابع لإرادة النظام السّوري، بمعزل عمّا إذا كان هو المسرّب، إذ إن مقاربته للأحداث وسلوكه لا يخرجان عن مقاربة فريق الثامن من آذار». لذلك، بات الرجل هدفاً “مشروعاً” لحملة سيقودها هذا الفريق، وستكون، على ما تقول المصادر، «زيارات يقوم بها المكلّفون من فريقنا بالتواصل مع الكنائس، لعدد من المرجعيات الروحية المسيحية، ترمي أولاً إلى التنديد بالمواقف التي أطلقها لحام في مؤتمر واشنطن، وثانياً العمل على تطويق المواقف التي يُطلقها رجال دين».
وفي مراجعة لوقائع المؤتمر، لا توافق المصادر على أن «البطاركة أحبطوا الكمين الذي نصبه لهم أصدقاء اليهود في الولايات المتحدة»، مشيرة إلى أن «العكس هو الصحيح». فـ «المسيحيون أثبتوا أنهم يخرجون من حفرة ليقعوا في غيرها»، و«تصرّفات البطريرك لحاّم، وانسحابه من العشاء”، الذي تحدّث فيه السناتور الأميركي الصهيوني تيد كروز، “لم يكونا في محلّهما، لأنهما فُسّرا على أنهما معاداة للسامية واليهودية. والبطريرك قصد من خلال سلوكه هذا تقديم أوراق اعتماده للنظام السوري، من دون أن يدرك تداعيات هذه التصرفات». ورأت أن «حديث كروز عن أن المسيحيين لن يجدوا حليفاً أفضل من إسرائيل، ووضعه حزب الله وداعش في خانة واحدة، ما كان يجب أن يستفز لحام وكل من اعترض عليه، لأنه موقف طبيعي لشخصية لها فكر واضح ومحدد ومكشوف، ولا يتوّقع منه غير ذلك، هذا إذا ما استثنينا فرضية أنه تقصّد حشر البطاركة لإخراج ردات فعل لا تكون في مصلحة المسيحيين»! وتبرّر المصادر رؤيتها هذه بأنها “تنطلق من الحرص على مستقبل المسيحيين، لأن مواقف كهذه قد تدفع الأميركيين والأوروبيين إلى إعادة النظر في قرار حماية أقليات تسكن في منطقة الشرق الأوسط، وتكن عداء للدولة اليهودية». وقد يكون الأمر الأكثر أهمية في كل ما ذُكر، ما كشفت عنه المصادر عن «معلومات تُفيد بتحركّ سيبدأ به دبلوماسيون أوروبيون، للاستيضاح عما إذا كان موقف البطريرك لحام يُمثل وجهة نظر الفاتيكان، أم يعبّر عن رأيه الشخصي». وهي ذكّرت بـ «خطوة أوروبية مماثلة، حصلت في الماضي، إثر حديث مرجع ديني لبناني عن تآمر أميركي – يهودي على المسيحيين. حينها طُرح السؤال على وزير خارجية الفاتيكان عن أسباب هذا النوع من التصريحات».
الحملة الآذارية على البطريرك لحام بسبب مواقفه تثير تساؤلات كثيرة عن حقيقة الموقف داخل هذا الفريق مما قاله السيناتور الأميركي بشأن المسيحيين، وما اذا كان يلتمس العذر لكروز، أم أنه وجد أخيراً المناسبة لتنفيس “القلوب المليانة” من مواقف هذا البطريرك العربي؟