IMLebanon

حَمَلة الأقلام…

رفع الفرنسيون الاقلام في مواجهة رعب الارهاب الاجرامي الذي اقتحم ديارهم اسوة بما حصل تماما في الامس الغابر في بيروت حيث رفعنا اقلامنا في يوم اغتيال جبران تويني وسمير قصير وحيث لم يكن ملاذنا امام الترهيب والقتل والغيلة سوى الاحتماء بالحرية العارية. رفعوا اقلامهم على دماء صحافيين وراسمي كاريكاتور في “شارلي ايبدو” اثاروا جدلا كونيا في مسائل تعصى امامها البشرية على الحلول ما دام العالم عاجزا عن وضع خطوط الوصل والربط وفك الاشتباك بين صراعات يطغى فيها منسوب العصبيات الدينية على كل شيء.

رفعوا اقلامهم في مؤشر محزن ومفزع لا لان باريس بسمنة وبيروت بزيت، فالارهاب ارهاب اينما حل واينما فتك وايا كانت ضحاياه، بل لان الانتشار الكوني للمواجهة التي سمّيت بحق حربا عالمية مع الارهاب، قد تفضي الى مزيد من احتدام العنصريات والعصبيات وصراعات تتلبس لبوس الاديان وتقوّض كل رهان على التعقل، ليس لدى الدول بل داخل المجتمعات الموصوفة بالمتمدنة.

ترانا في بيروت تحديدا اول واكثر من يستعيد تلك المشاعر المضطربة التي تشتعل لدى رؤية قلم مفجوع مرفوع بأصابع اصابها الارتعاد امام الدماء المهروقة. كنا البادئين في تلقي هذا الصنف من الاختبارات الوحشية وما زالت الرعدة تتملكنا حتى اليوم. ولذا ترانا اكثر من يخشى ان تتدحرج المواجهة اللامتكافئة تماما بين القلم والرصاصة والعبوة ومن ثم راهنا السكين. ومع ذلك فالفارق واسع وكبير بين رؤيتين وواقعين. في باريس المفجوعة بـ 12 ضحية في يوم الهجوم على “شارلي ايبدو” لم ينطفئ الليل الا وكانت اسماء القتلة قد كشفت واستسلم احدهم. في بيروت مرت تسعة اعوام على اغتيال جبران وسمير ومن قبلهما وبعدهما سقطوا في حرب الاغتيالات ولا اسم في ملف ولا ورقة في تحقيق حتى اليوم. في فرنسا دولة ولو ضربت في عقر دارها وفي قلب العاصمة الساحرة التي تشع على العالم بشغف الحرية والجمال والروعة. في لبنان تهيم الدولة وتغيب قبل الشهداء وبعد الجرائم ويستسقي غيابها مزيدا من الرعب. هذه بيروت ايضا كانت ولا تزال تشع اشراقا ولكنها تمسك دوما بقلبها لان دولتها باقية مشروعا قيد الاحلام. لذا تختلف ظاهرة حملة الاقلام هنا عن هناك ولو توحدت المشاعر تحت لواء رفض الارهاب والترهيب. ولكن حملة الاقلام ليسوا وحدهم في هذا المعترك المرعب، اذ يكاد العالم كله يحمل تبعة شيء ما عصي على الحل. وترانا نخاف اكثر من تمدده وانتشاره وتفشيه ما دمنا لا نجد غربا ولا شرقا ولا ما بينهما، يملكون قدرة الغوص العميق الى حيث يمكن وقف الدومينو الدامي ووقف كل ظواهر الحرب الطاحنة التي انبأتنا الهجمة في باريس انها الى تصاعد جهنمي.