Site icon IMLebanon

حملة تأييد للجيش أم حملة تسييس له؟

منذ أن بدأ التنافس على رئاسة الجمهورية قبل سنة أو أقل من انتهاء ولاية الرئيس الأخير ربما للجمهورية العماد ميشال سليمان وحملة التأييد للجيش تتصاعد في أوساط “الشعوب اللبنانية” وعبر الاعلام اللبناني المرئي والمسموع والمقروء. وقد ساهم الشغور في سدة الرئاسة الأولى، جراء العجز المقصود من داخل ومن خارج عن انتخاب رئيس جديد للبلاد، في توسيع الحملة المذكورة بل في إعطائها شعارات جديدة تنبئ ربما بأهداف ابعد بكثير من التي يريد اللبنانيون تحقيقها. وعلى رغم اختلاف شعارات اليوم عن شعارات الأمس البعيد (1988 – 1989 – 1990) الذي نقول عنه “ينذكر وما ينعاد”، وأبرزها “الجيش هو الحل”، فإن المدقّقين والمتابعين من أبناء هذه الدولة المنكوبة يعرفون أن حملة التأييد للجيش قد تكون عفوية عند المواطنين العاديين الطيبين، على رغم اصطفافاتهم الطائفية والمذهبية والحزبية والسياسية والاقليمية، لأنهم هم الذين يأكلون العصي وليس غيرهم، وهم الذين يُقتل أبناؤهم جراء فلتان الأمن وشلل الدولة بكل مؤسساتها وغياب القرار الواحد، وجراء خوض معارك في لبنان وخارجه يُقتل فيها خيرة شبابه ومن كل الفئات. لكن هؤلاء يعرفون أيضاً أن مبرمجي الحملة والمشاركين فيها لهم أهداف، لا علاقة لها بمصلحة لبنان الوطن ولا بمصلحة مواطنيه، قد يكون أبرزها إقناع “شعوب لبنان” ومعها الناخبين الكبار لرئيس الجمهورية، وكلهم غير لبنانيين، بتزكية “عسكري” لهذا الموقع، باعتباره الوحيد القادر، بواسطة مؤسسته الصامدة ووحدتها، على رغم تفسّخ المؤسسات الأخرى وشللها وانقسامات الطبقة السياسية على تنوعها، أي الجيش، على مواجهة تحديات الإرهاب، وعلى منع الوضع الداخلي غير المستقر سياسياً والسائر في طريق عدم الاستقرار الأمني من الانفجار، وعلى نحو مشابه للانفجار الذي تعيشه سوريا وغيرها من دول عربية من سنوات عدة. طبعاً لا يرمي هذا الكلام إلى الانتقاص من انجازات الجيش ومن تضحيات جنوده ورتبائه وضباطه ومن الكفاية الميدانية لقائده ومن صموده أمام إغراءات الانقسام مذهبياً وطائفياً. لكنه يرمي إلى التنبيه من استغلال هذه الميزات المهمة من أجل اشباع رغبات وطموحات خاصة، وإلى التحذير من المبالغة في تصوير جيش لبنان المنتصر الوحيد على الارهاب في المنطقة، والوحيد القادر على انقاذ دولة لبنان من السقوط ومعها صيغته وميثاقه، أو بالأحرى من الانسياق وراء ممارسي المبالغة ومحترفيها من إعلاميين وفنانين وسياسيين ورجال دين… ذلك أنهم بهذا النوع من “البروباغندا” يحرقون الجيش ويدفعون المتضررين من وحدته الصامدة حتى الآن إلى الاسترسال في استدراجه إلى كمائنهم. وهذه أمور تعرفها قيادة الجيش تمام المعرفة. وكان أحرى بها أن تترك أعمال الجيش وتضحياته تخبّر عن نفسها، وتقنع الناس بالرهان عليه لتوفير الأمن والحماية والاستقرار من دون أن يغطس في وسخ السياسة ووحولها وفسادها. هذا ما يخشى اللبنانيون أن يكون هدف الحملة المبرمجة. وحتى لا يبقى الكلام وعظاً لا بد من مصارحة الرأي العام بما يعرفه ولا يجهر به أو ربما يجهر به جزئياً، وهو أولاً أن هناك “شعباً” في لبنان، وعلى رغم كل مدائحه، لا يزال مقتنعاً بأن “شعباً” لبنانياً آخر شقيقاً لدوداً له يؤثر في الجيش ويدفعه إلى خوض معاركه لتحقيق أهدافه الاقليمية والمحلية وأبرزها، انتصار المشروع الايراني في سوريا ولبنان. وهو ثانياً أن “الشعب” الثاني المشار إليه الذي لم يكن مقتنعاً عملياً بالمشاركة مع الجيش على رغم رفعه شعار “الثلاثية الذهبية” صار من دعاتها علناً لأن التطوّرات الميدانية في الدول حيث يخوض معارك ذات أجندة إقليمية ليست إيجابية له كلها. وهو ثالثاً أن كثيرين من “مدَّاحي” الجيش اليوم كانوا من مدّاحيه، ولكن أيام وقوعه تحت سيطرة غير لبنانية، وهدفهم اليوم كما الأمس المكاسب والوجاهة وربما المناصب.

في اختصار، الجيش اللبناني صمد سنوات كثيرة قبل انهياره عام 1975 على رغم فشل الطبقة السياسية وحكمها، وهذا دليل أنه افضل منها. ولكي يبقى كذلك يجب أن لا يتحوّل جزءاً منها. وهو صامد اليوم، ومنذ نحو 10 سنوات على رغم شلل الدولة وانكشاف السياسيين كلهم، لأنه أفضل منهم أيضاً. وذلك يؤكد أنه لم يكن سبب انهيار البلاد ولكن ليس أكيداً أنه قادر على أن يخلّصها، وأنه الحل. فالحل دولة حيّة يتبعُ لها.

ماذا عن تجارب حكم العسكريين في لبنان؟ وهل الحكم العسكري فيه ممكن؟