لا يختلف اثنان بان اجراء التعيينات الأمنية والعسكرية من الانجازات التي تسجل في خانة العهد والتي تواكب المرحلة الانتقالية للدولة التي انتقلت من الفراغ الرئاسي في قصر بعبدا والتمديد للأجهزة الأمنية الى المرحلة السياسية الجديدة التي فرضتها التغييرات السياسية بعد انتخاب رئيس للجمهورية انهى حقبة ثلاث سنوات من الفراغ في موقع الرئاسة. وبدون شك فان الأجهزة الامنية مشهود لها بانها حمت لبنان في الفترات السابقة وحققت انتصارات كثيرة في مجال مكافحة الارهاب الذي تسلل الى الساحة الداخلية في وقت غرق فيه لبنان بالفراغ الرئاسي والخلافات السياسية التي بقيت القيادات الأمنية بمنأى عنها، فان التعيينات اليوم ستشكل استمراراً لعمل الأجهزة السابقة لتلك القيادات مع تفعيل دورها بالمؤكد وانتظام عمل النظام السياسي مجدداً، خصوصاً ان «صحة» تلك الاجهزة وقوتها ومناعتها من قوة الدولة والعهد الجديد ولبنان لا يزال على خارطة وبنك الأهداف التكفيرية والارهابية.
كما ان العهد الجديد تقول اوساط متابعة، ليس بمنأى عن «محاولات اختراق» وتشويش على عمله خصوصاً وان العهد يشهد انطلاقة نهضة سريعة بالدولة اللبنانية الى الأعلى بعد سنوات من الهبوط والتعطيل والفساد. وعليه ليس سراً ان ثمة من يعمل على تقويم علاقة العهد بالقوى السياسية، فغالباً ما يتم الإيحاء بان علاقة رئيس الجمهورية والحكومة في خطر، وبان الثنائية المسيحية الجديدة التي تجهز لتسونامي انتخابي تزعج حزب الله، وبان ثمة تباين في الموقف الانتخابي بين رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر والى ان برزت حملة سياسية على العهد باستغلال موقفه الداعم لحزب الله الذي اطلقه قبل زيارة دولة مصر الشهر الفائت بدعمه سلاح حزب الله وتوظيفه او استغلاله لتشويش الخطوات التي قام بها رئيس الجمهورية وزياراته الى السعودية ودول الخليج. وعليه ترى الاوساط، ان الإيحاءات باشكاليات او خلافات وتباينات معينة سواء في الداخل او الخارج لا تقدم ولاتؤخر وليس لها تأثيرات سلبية او تذكر على الداخل اللبناني الذي يبدو منسجماً في علاقة القوى السياسية وتناغمها او تفاهمها مع رئس الجمهورية الأمر الذي لم يكن يحصل في العهود والحقبات الماضية.
فالاتفاق بين رئيسي الجمهورية والحكومة «غير مألوف» في العهود وبعد الانقسامات الأفقية التي قسمت الساحة السياسية الى شطرين في فريقي 8 و14 آذار، غالباً ما ينقل عن زوار رئيس الجمهورية ارتياحه المطلق للعلاقة مع رئيس الحكومة وعن «ثقة» لا محدودة من السراي تجاه بعبدا، اما الضرب في ماء عكر قانون الانتخاب او الاشارة الى حالة ندم من قبل الحريري للاتفاق مع عون فان رئيس الجمهورية كان واضحاً من البداية برفضة قانون الستين وفق الاوساط ولم يناور في اي مرحلة من المراحل عليه، وبالتالي فان أزمات رئيس الحكومة السابقة سواء في ساحته السياسية او داخل فريقه وفي فريق 14 آذار لا دخل لرئاسة الجمهورية بها، فلكل فريق حيثيته السياسية وكما في بعبدا كذلك في السراي الاستراتيجيات قد تختلف حيال بعض الملفات لكن التناغم السياسي موجود ومصلحة الدولة العليا فوق اي اعتبار، فالقرار بين بعبدا والسراي ان الخلاف ممنوع وخط أحمر والتفاهمات السياسية قبل قانون الانتخاب لا تزال سارية المفعول، ورئيس الحكومة اعطى شيكاً بدون توقيع لرئيس الجمهورية في التسوية الرئاسية وقد يكون مضطراً الى تقديم تنازلات هو يعرف محاذيرها من البداية في شأن قانون الانتخاب قد تؤدي الى تقليص حصته النيابية. وفي كل الاحوال فان الحريري وفق الاوساط لا يرى مؤخراً في قانون النسبية مشكلة حقيقية له وهو يدرسه جيداً للموافقة والسير به عندما ترتضي الظروف.
اما اللعب في ملعب العلاقة بين رئيس الجمهورية وحزب الله فأثبت «عقمه» وفشله من البداية، فالعلاقة مع حزب الله استراتيجية ومتكاملة ورئيس الجمهورية هو من الرؤساء الموارنة القلائل الذين تبنوا موقفاً داعماً للمقاومة، وليس سراً ان هذا الموقف استدعى ايحاءات بان ثمة استياء من المجتمع الدولي وبان مواقف الرئيس تضرب او تلغي السياسة الانفتاحية واولى خطوات العهد تجاه دول كانت على خصام مع الدولة اللبنانية، وفي هذا السياق تعتبر الاوساط ان تحفظ السعودية والامارات على البند المتعلق بدعم لبنان في صراعه مع الإسرائيليين في بيان الجامعة العربية ليس امراً مستغرباً او فوق العادة بل يأتي في سياق مواقف تصب في الخانة نفسها لتلك الدول حيال تلك المسألة وليس على الدولة اللبنانية التي شهد العهد الجديد فيها فتح صفحة مختلفة ان يحمل تلك الدول على تغيير سياساتها الخارجية او مواقفها في حين ان السلطات اللبنانية تبلغت زيارة الملك السعودي الى لبنان قبل بضعة ايام.
واذا كان المناخ السياسي بين الرابية وحزب الله هو دائماً سليم، فتفاهم معراب بين «الجنرال والحكيم» لم يؤثر قيد انملة على تفاهم مار مخايل بل على العكس فان تقارب عون وجعجع تم تحييده عن العلاقة بين الرابية وحارة حريك على اعتبار ان لكل تفاهم اهدافه وموجباته خصوصاً وان حزب الله لا يمانع ان يؤدي هذا التفاهم الى الاستقرار وترييح الوضع المسيحي . فاذا كان ميشال عون اثبت انه حليف استراتيجي وحقيقي وانه حليف الايام الصعبة والسوداء منذ حرب تموز الى المعارك الداخلية التي شنت على حزب الله، فان خيار ميشال عون بعد ان انتقل الى قصر بعبدا لا التباس او شك في صدقيته او تراجع عنه.