تركت تقلبات سوق النفط في السنوات الأخيرة الماضية آثارا سياسية واقتصادية هائلة، وجاءت العواقب وخيمة على الاقتصاد العالمي خصوصا الدول المنتجة للنفط.
ارتفع سعر برميل النفط بنسبة 20 بالمائة هذا العام مع التوترات التجارية القائمة بين الولايات المتحدة والصين، ومع اقتراب العقوبات على إيران والتي ستبدأ الشهر المقبل مما يعني الحد من تدفق النفط من إيران.
وتبدو الامور معقّدة سيما بعد الاجتماع في الجزائر اواخر ايلول الماضي لبحث مستويات الامداد العالمي والعقوبات الأميركية المفروضة على إيران، ومع انتهاء الاجتماع دون التوصل الى اتفاق رسمي لزيادة الامدادات. وزاد الامر سوءًا تهديدات ترامب وحثّه اوبيك على خفض الأسعار وابقائها تحت السيطرة.
كذلك حاولت ادارة ترامب وضع ضغوط متكررة على الدول المصدرة للنفط لخفض الأسعار الا انها لم تحصل على ما تريد. وحسب وزير النفط الايراني بيجان زنغانه، لم تستجب اوبيك لمطالب ترامب الامر الذي يعقّد الامور ويزيدها سوءًا، سيما وان ذلك يمثّل اشارة واضحة الى ان اسعار النفط على ارتفاع، واستمرار الارتفاع قد يشكل خطراً كبيراً على العديد من الاقتصاديات الامر الذي قد يؤثر على النمو الاقتصادي.
والسؤال الذي يطرح نفسه الان : ماذا يحمل المستقبل القريب؟
ما يمكن أن يحصل في الفترة المقبلة، بالنسبة الى سوق العرض والطلب في قطاع لانفط، يرتبط باحتمال تدهور الحالة السياسية في فنزويلا، وتجدّد العقوبات الأميركية المفروضة على ايران. وحسب وزير النفط الروسي الكسندر نوفاك فان العقوبات قد ترفع اسعار النفط بحوالي خمسة الى سبعة دولارات للبرميل، ويتوقع ارتفاع الأسعار الى اكثر من 100 دولار للبرميل بحلول اوائل العام المقبل.
وحسب الـCNBC هذا لا يشكّل مفاجأة لأي مستثمر وتاريخ الاسواق شهدت ركوداً كبيراً لاسيما اميركا بعد اي ارتفاع قد تشهده أسعار النفط.
وقد انخفضت صادرات النفط الإيرانية في الاسبوع الاول من الشهر الحالي الى 1.1 مليون برميل من 1.6 مليون برميل في الشهر الماضي واقل بكثير من 2.1 مليون برميل في نيسان من السنة الحالية. وقد يكون هذا الأنخفاض اكبر بكثير ممّا يعتقده المحللون.
وحسب Goldman Sachs وتقديراتها للسلع الأساسية، ليس لدينا مشكلة مع اسعار النفط اليوم ولكن قد يكون لدينا مشكلة في الغد القريب.
ويعرب Jeff Curie من غولدمان ساكس عن شكوكه حيال ارتفاع اسعار النفط، وبلوغها ثلاثة ارقام. وهو يعتقد أيضاً ان ذلك قد يحدث اذا ما تراجعت الصادرات الإيرانية فعلياً الى الصفر وحدثت مشاكل في فنزويلا.
يبقى القول ان تغريدات ترامب على تويتر تزيد المشكلة تعقيداً. وحسب بلومبرغ، الطريقة الوحيدة لإبقاء اسعار النفط ضمن الحدود المقبولة تكمن في ان يغيّر دونالد ترامب سياساته تجاه ايران، وهذا امر بعيد المنال حالياً.
واذا استطاع ترامب ان يوقف امدادات ايران نهائياً الى الأسواق، سيتمّ استبدال 2.7 مليون برميل يومياً من الامدادات الإيرانية، وهي فجوة كبيرة سيما اذا كانت السعودية لا تواكب اي زيادة في الانتاج.
وحسب بنك اوف اميركا ان اغلاق كامل للامدادات الإيرانية قد يرفع أسعار النفط الى 120 دولارا للبرميل الواحد. هذه امور للأسف لا يعرفها ترامب او انه لا يريد ان يعرفها طالما انه جدي في عملية تنفيذ العقوبات على طهران والتي ستدخل حيز التنفيذ في شهر تشرين الثاني القادم، لذلك قد يؤدي فرض العقوبات على ايران، الى تقلبات شديدة في اسعار النفط وقد تكون خيارات إيران في هذه الحال ضيقة للغاية واقفال مضيق هرمز هو احد الحلول التي قد تلجأ اليها الحكومة في طهران:
لذلك من الصعب التكهن حالياً على المدى المتوسط، وما اذا كان العملاء يخافون العقوبات الثانوية من التعامل مع ايران والتي هدّد بها ترامب. لذلك قد يكون من الصعب التحديد اليوم لأي مستوى ستصل اسعار النفط في ظل ما يحصل وكوننا لا نعرف كم برميل ستختفي في نهاية المطاف من السوق.
اما من الناحية العملية يرى المحللون ان العقوبات الجديدة ستحدث ثغرة كبيرة في السوق الامر الذي سوف يؤدي حتماً الى زيادة اسعار الوقود والنقل الجوي والبحري والبري واسعاره، كذلك تكاليف خدمات المرافئ، الامر الذي قد يرفع مجدداً اسعار الخدمات العالمية.
وسيكون لفرض العقوبات تأثيره أيضاً على تدفق السلع من آسيا والشرق الاقصى الى ارمينيا واذربيجان، وبدرجة اقل في اسيا الوسطى من خلال ميناء مدينة بندرعباس. وفارق المسافة عامل مهم وتكاليف المرافق والمحطات في بندرعباس هي اقل بكثير مما يعادل تكاليف الموانئ.
اضف الى ذلك مشاكل الدول الناشئة وكيفية تعاطيها مع اسعار نفط عالية كذلك الوضع الاوروبي حيث لا يرى المحللون اية فرصة لنجاح الية دفع جديدة من قبل الاتحاد الأوروبي لإبقاء التجارة مع ايران.
في المشهد العام اليوم، تتعرّض السعودية لضغوط كبيرة لزيادة منتوجها من النفط ولكن هذا وان حصل قد لا يعادل النقص في المستويات المصدّرة من دول مثل ايران وليبيا وفنزويلا مما يعني ان الامر اصبح يشكل ظاهرة سياسية جديدة لسوق النفط. وقد لا تستطيع السعودية سد الهوة او الفجوة التي ستتركها ايران وليبيا وفنزويلا.
والامر الذي يزيد من خطورة الوضع الاوضاع السياسية في المناطق المصدرة للبترول فعدا عن إيران وليبيا وفنزويلا هنالك نيجيريا مما يعني ان المشاكل قد تكون سياسية، وهي ليست قصة عرض وطلب، او دليلا على انكماش او شدة اقتصادية.
وترامب صريح في هذا الوضع لاسيما عندما طلب من السعودية زيادة الانتاج، وتحدث بلغة حازمة، مما يعني ان الامور اصبحت متشابكة كثيرا، خصوصا اذا أخذنا في الاعتبار ما يحصل مع الصين وروسيا وغيرها من الدول التي أراد ترام ان يسجل معها انتصارا لسياسته الحمائية.
لذلك قد يكون من المستحسن استبعاد سوق النفط عن الامور السياسية وهذا ما طالب به الايرانيون مؤخراً.
هكذا قد يكون المشهد تخطى العوامل الاقتصادية وبات عاملاً سياسياً بامتياز يحاول ترامب ابقاءه تحت سلطة اميركا، إلا ان الامور قد لا تأتي بما يريده، كون الاسواق العالمية باتت حساسة جداً لسياسة اميركا الاحادية الجانب.