Site icon IMLebanon

هل تستطيع بكركي إعادة «إنتاج» دور مسيحي؟

هي بكركي، مَن لسيدها «أُعطي مجدُ لبنان». حولها، التفّ الموارنة على مر التاريخ، معوّلين على دورها كمرجعية روحية وطنية فتحت أبوابها للجميع، رغم المد والجزر الذي طبع علاقاتها، مع القيادات السياسية «الزمنية».

فبعد قيام دولة لبنان الكبير، بات للموارنة مرجعيتان: الأولى دينية تمثلها بكركي، والثانية مدنية ترتبط بالقصر الجمهوري في بعبدا. ثنائية، لم تُلغِ مسؤولية بكركي ودورها في الدفاع عن ثوابت الكيان اللبناني، من منظار وطني، كلّما اشتدت الأزمات.

فأين هي اليوم من أزمة شغور رئاسي طال أمده؟ علام َ تبني تحركها الرافض لواقعٍ سياسي زجَّ باللبنانيين في حال من المراوحة القاتلة بانتظار فرج ٍما قد لا يأتي؟ أي دور للبطريرك الراعي وسط التجاذب داخل البيت المسيحي الواحد؟

لا تحيد بكركي عن المطالبة بضرورة انتخاب رئيس للجمهورية يسهر على تطبيق الدستور. « ما المطلوب منها أن تفعل أكثر من ذلك؟ هل ترسل جيشاً يعتقل النواب بالقوة ويرغمهم على النزول الى المجلس النيابي للقيام بواجبهم الدستوري؟»، يسأل النائب البطريركي العام المطران سمير مظلوم، ويضيف: «لا احد يُجبر نوابنا الكرام على انتخاب رئيس جديد، إن كانوا لا يريدون. حتى فرنسا، التي زارها البطريرك، جُلّ ما تستطيع فعله هو ابداء النُصح والتمني علينا بالاسراع في اتمام الاستحقاق الرئاسي» .

ويوضح المطران مظلوم أن «لا أحد يحل مكان رئيس الجمهورية، لا الحكومة ولا النواب، وبكركي انْ اهتمَّت وألحَّت وطالبت بالتوصل الى اتفاق لحل أزمة الشغور، فان ذلك لا يعني أنها يمكن ان تحل مكان الرئيس في حال عدم انتخابه.»

واذا كان من واجب بكركي وضع الاصبع على الجرح و «هز العصا» مارونياً، فأي واجب يقع على الزعماء المسيحيين؟ ولماذا لم تؤتِ مناشدات الراعي المتكرِّرة ثمارها بعد؟

يرى الأمين العام لـ «اللقاء المسيحي المستقل» النائب السابق عبدالله فرحات، ان «البطريرك الراعي مُدرك لما يتسبَّب به الشغور الرئاسي من شلل كامل على مستوى الدولة، وفقدان المسيحي بشكل خاص، لثقته بلبنان، بما يدفعه الى الهجرة. لذا، فهو يسعى الى لعب دور على المستوى الدولي، آخذاً في الاعتبار أن العماد عون والدكتور جعجع ينتميان الى محاور اقليمية ودولية، الأول ايراني – روسي، والثاني سعودي – أميركي، وبالتالي، يحاول البطريرك دفع مراكز القرار في العالم الى انتخاب رئيس للجمهورية». وينوّه فرحات بـ «مسعى بكركي، لاعادة انتاج الدور المسيحي، المُنقسم حالياً بين محورَيْن سني ـ شيعي، ليكون المسيحي مُصلحاً بينهما».

يرفض النائب السابق صلاح حنين اضفاء صبغة مسيحية صرفة على الاستحقاق الرئاسي، ويشدد على انه «مسألة وطنية الكل معنيٌ بها، ليست مجتزأة أو طائفية». وهو يُصرّ على التأكيد أن «دور بكركي لا يعدو كونه سلطة لبنانية معنوية ليس من صلاحياتها ادارة الشغور، فالأزمة هذه، مرتبطة حصراً بالحكومة التي تستلم صلاحيات رئاسة الجمهورية نيابة ًعن الرئيس في غيابه».

ويتهم حنين فرقاء سياسيين بـ «تضليل الرأي العام عبر القول إن الشخصية الأقوى سُنياً تُكلَّف لرئاسة الحكومة، وتلك الأقوى شيعياً تتولى منصب رئاسة مجلس النواب، لكن عند الحديث عن الاستحقاق الرئاسي يجري تجاهل قوة تمثيل المرشح في الشارع وتالياً في المجلس النيابي». يستعرض أسماء رؤساء الحكومات عبر التاريخ ويقول: «لا ننكر لهم حيثياتهم الشعبية، ولكن لا يمكن القول انهم كانوا الأقوى. والأمر سيّان بالنسبة الى الرئيس نبيه بري الذي بفضل تحالفه مع حزب الله، أصبح لديه عددا كافيا من النواب في المجلس النيابي أوصلوه الى رئاسة المجلس».

ويوضح حنين أنَّ «الاستحقاق الرئاسي هو استحقاق وطني في الطليعة. الرئيس القوي يأتي من خلال أكثرية تضمنها الآلية الدستورية التي يكتسب من خلالها شرعية، فيكون عندها قادراً على أن يكون رأس الهرم، وحريصاً على عمل مؤسسات الدولة». ويأسف للاصرار على الرئيس التوافقي أو التسووي، غير المنتخَب، وغير الخاضع للآلية الدستورية أي الآلية الانتخابية، وربط النصاب بالثلثَيْن ما هو الا تسليم بمنطق التسوية وهو منطق خاطئ، نرفضه، فالدستور يتكلم عن انتخاب لا عن تسوية».

أما الأستاذ في القانون الدولي أنطوان صفير، فيلفت الى أن «كل بطريرك يُطالب بانتخاب رئيس جديد للجمهورية لأنه يدرك أنَّ في استمرار الشغور خطر على المؤسسات والشراكة الوطنية والميثاقية «، ويرفض «ربط المسألة الرئاسية بالموقف اللبناني أو المسيحي في ظل تحالفات وتفاهمات تنسجها أكثرية الأطراف مع القوى الخارجية».

«ليس دور بكركي بناءُ زعامة»، يشدد صفير، «بل على هذه المرجعية أن تطالب، دون كلل، بكل ما يحفظ العيش المشترك والحرية والتعددية، وفي الوقت عينه، ألا تسكت على أمور تخالف الدستور والميثاق»، مستطرداً بالقول انه «راق لكثيرين من الطامحين للرئاسة، خلال العهدين الماضيين، أن يجاهروا بأنهم محسوبون على بكركي، ولكن لا أعتقد أن بكركي تقارب الاستحقاق الرئاسي من هذه الزاوية».

يؤمن الخبير في الشؤون الجيوسياسية الدكتور بيار عازار بـ «سلطة البطريركية على تحريك الشارع الماروني لتشكيل ورقة ضغط هائلة يصل صداها الى مسامع المؤثرين في الملف الرئاسي». يضع عازار بين يدي البطريرك ما يعتقد أنه «مفتاح حلٍ» قد ينجح من خلاله الراعي في تحريك جمود قاتل لا تنبئ المؤشراتُ حتى الساعة الا باطالة أمده.