عشية الاحتفالات بالعيد الوطني الفرنسي، في الرابع عشر من تموز الجاري، ومع قرب إطلالة السنة الثالثة من ولاية الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون، يعترف العديد من أهل الرأي في باريس، بأن وهج الرئيس الشاب بدأ يخبو لدى الرأي العام، حيث تسجل شعبيته تراجعاً مطرداً لدى الفرنسيين في الأشهر الأخيرة، فضلاً عن الصدمات التي تلقتها سياسته الخارجية، وما سببته من تعثر في علاقات فرنسا مع دول القرار، وخاصة أميركا.
المزاج الداخلي سرعان ما تغيّر على إيقاع الأحوال الاقتصادية الجامدة، وظهور موجة من الإضرابات المعارضة لسياسة التقشف التي أصرّ عليها، وتعمّد نقابات النقل، بمن فيهم طيارو الخطوط الفرنسية وسائقو المترو، اللجوء إلى سلسلة من الإضرابات، أدت إلى فوضى في الحركة الداخلية، فضلاً عن الخسائر التي تسببتها لشركة الطيران الفرنسية.
وثمة بين الفرنسيين مِن أهل الخبرة والرأي، مَن يتهم ماكرون بالفشل في تحقيق برنامجه الإصلاحي، والذي عوّل عليه الفرنسيون كثيراً، للخروج من دوامة الأزمات التي تفاقمت في عهدي ساركوزي وهولاند، ولكن رياح التطورات الأوروبية والدولية، لم تجرِ كما تشتهي سفن سيّد الأليزيه، فكان أن بقيت معظم البنود حبراً على ورق، أو على أقل تقدير أسيرة البيروقراطية الفرنسية المعهودة!
ومن الوقائع المتداولة عن تعثر برنامج ماكرون، أن الدَين العام زاد في الأشهر الثلاثة الأولى من السنة الحالية حوالى سبعة وثلاثين مليار يورو، مسجلاً قفزة كبيرة في تدهور المالية العامة، حيث بلغ الدين العام حتى نيسان الماضي ٢٢٥٥ مليار يورو، وهو ما يمثل أكثر من سبعة وتسعين بالمئة من الناتج المحلي، وهي نسبة غير مسبوقة في الدولة الفرنسية منذ عهد الرئيس الاشتراكي فرنسوا ميتران. وقد رافق ارتفاع الدين العام زيادة في نسبة التضخم 2.1 بالمئة، وزيادة ملحوظة في أسعار الطاقة وصلت إلى أكثر من ١٢ بالمئة.
انتشار هذه الأرقام ساهم في إضعاف شعبية الرئيس الفرنسي الشاب، الذي يعاني حالياً من «صدمة»، في سياسته الخارجية، بعد التصدّع الذي أصاب علاقته الوطيدة مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، إثر توسّع الخلاف بينهما من ملفين محوريين بالنسبة لفرنسا وللاتحاد الأوروبي هما: الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي مع إيران، وتفاقم مشكلة الرسوم والضرائب الجمركية التي ينوي ترامب فرضها على حلفائه الأوروبيين، وفي مقدمتهم فرنسا وألمانيا، ركيزتي النظام الأوروبي برمته.
تصرّف ماكرون في فترات سابقة، وكأنه الصديق الأوروبي المقرّب للرئيس الأميركي، حيث جرت عدة لقاءات في فترات متقاربة بينهما، ولكن سياسات ترامب المفاجئة والصادمة، للحلفاء كما للخصوم، أطاحت بطموح الرئيس الفرنسي الذي خيّل له لفترة بأنه سيكون الأكثر تفاهماً مع الإدارة الأميركية الحالية، التي تزامن وصولها إلى البيت الأبيض مع وصول ماكرون إلى الأليزيه.
ورغم تجاوب الشركات الفرنسية مع الضغوط الأميركية للانسحاب من إيران تحت طائلة إخضاعها لعقوبات اقتصادية موجعة، إلا أن السياسة الضرائبية الجديدة لترامب، والتي ستؤدي إلى إسقاط اتفاقية التجارة العالمية الحرة، هي التي تحتل صدارة الاهتمام في الأوساط الفرنسية، الرسمية منها والاقتصادية، نظراً لتداعياتها السيئة على حركة التصدير الفرنسية إلى الأسواق الأميركية.
ويبقى السؤال الذي يهمّ كل لبناني: إذا كان الرئيس الفرنسي يواجه كل هذه المشاكل والصعوبات، هل سيكون قادراً على مساعدة لبنان؟