Site icon IMLebanon

هل يمكن الرهان على العبادي؟  

ثمّة سؤال تطرحه زيارة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي لواشنطن حيث التقى الرئيس دونالد ترامب. هل يمكن للرهان على الرجل ضمان انتزاع العراق من ايران. بكلام أوضح هل في الإمكان استعادة العراق في وقت لم يشر رئيس الوزراء العراقي سوى الى إرهاب «داعش» من دون الإشارة الى من يؤمن حاضنة لهذا التنظيم الإرهابي، أي الى ممارسات الميليشيات المذهبية العراقية المنضوية تحت تسمية «الحشد الشعبي»؟

يبدو الرهان على استعادة العراق من ايران رهانا أميركيا ـ سعوديا. انّه في واقع الحال مجازفة. لكنّه رهان ضروري يؤكّد مدى حرص المملكة العربية السعودية على وجود موقف عربي موحّد، مدعوم دوليا، في مواجهة المشروع التوسّعي الايراني. من بين الأسباب التي تدعو الى الحذر وتفادي الإغراق في التفاؤل ان العبادي عضو في «حزب الدعوة الإسلامية». ليست لهذا الحزب علاقة عضوية مع النظام الايراني فحسب، بل هناك ايضا عمق للوجود الايراني في العراق الذي تجسّده الحال ميليشيوية المسمّاة «الحشد الشعبي» ايضا.

لا يمكن تجاهل انّ العراق تغيّر جذريا منذ العام 2003، أي قبل أربعة عشر عاما بالتمام والكمال. ففي مثل هذه الايام من ذلك العام، بدأت الحرب الاميركية على العراق بهدف اسقاط نظام صدّام حسين وتشكيل نظام جديد، يكون نموذجا لما يجب ان تكون عليه دول المنطقة.

كان الحلم الاميركي يتمثّل في قيام عراق ديموقراطي تعددي على كل الصعد تقتدي به دول المنطقة. تحوّل هذا الحلم الى كابوس. كانت المغامرة الاميركية في العراق، بمشاركة إيرانية مباشرة، وغير مباشرة، كارثة على المنطقة العربية كلّها، بما في ذلك العراق نفسه الذي بات تحت حكم ميليشيات مذهبية تابعة لاحزاب مرتبطة مباشرة بالمشروع الايراني. هذا ليس سرّا. ليس سرّا أيضا ان زعماء هذه الميليشيات قاتلوا الى جانب «الحرس الثوري» الايراني في الحرب العراقية ـ الايرانية بين 1980 و 1988. هذا يعني بكلّ بساطة ان «الحشد الشعبي» أداة إيرانية تتحكّم بالعراق. ما موقف رئيس الوزراء العراقي الموجود في واشنطن من هذا المكوّن الذي صار مؤسسة من مؤسسات الدولة العراقية، بل المؤسسة الأقوى في هذه الدولة؟

على الرغم من ذلك كلّه، لم يكن مفرّ من الرهان على اعادة العراق الى وضعه الطبيعي بعيدا عن ايران مجددا، لا لشيء سوى لانّه لم يكن لدى ايران ما تقدّمه للعراق والعراقيين باستثناء الفقر وانعاش الغرائز المذهبية والميليشيات وثقافتها. لكنّ ما لا يمكن تجاهله في الوقت ذاته ان ايران خلقت واقعا على الأرض العراقية. جعلت ميليشياتها صاحبة اليد الطولى في كلّ انحاء البلد. استطاعت تشريع هذه الميليشيات التي صارت جزءا لا يتجزّأ من مؤسسات الدولة، هذا اذا كان في الإمكان الكلام عن دولة عراقية بعد كل عمليات التطهير ذات الطابع المذهبي التي طاولت المدن والمناطق العراقية من جهة، وفي ضوء الشرخ العميق بين السنّة والشيعة وبين النظام القائم في بغداد والاكراد من جهة أخرى.

سيتوقف الكثير على من ستكون له الكلمة الأخيرة في معركة الموصل. ستلحق هزيمة بـ«داعش» في الموصل. هذا أمر أكيد. ولكن من سيكون صاحب الانتصار، الميليشيات المذهبية الموالية لإيران تحت تسمية «الحشد الشعبي»، ام القوات النظامية العراقية المدعومة اميركيا؟

يتوقّف على نتيجة معركة الموصل ما اذا كان خروج العراق من الهيمنة الايرانية رهانا واقعيا ام لا. ما يمكن ان يلعب دورا لمصلحة نجاح هذا الرهان انّ الإدارة الاميركية الحالية ليست مثل إدارة باراك أوباما التي اطلقت يد ايران في كلّ المنطقة العربية، وقرّرت في مرحلة معيّنة الاستسلام لها في العراق.

الاهمّ من ذلك كلّه، ان ايران تعاني في هذه الايّام ازمة سياسية واقتصادية عميقة بدأت تظهر نتائجها في غير مكان من المنطقة، بما في ذلك لبنان حيث يعاني المعتاشون من «المال النظيف» من انعكاسات الفشل الايراني. فشلت ايران في بناء اقتصاد لا يعتمد على سعر النفط والغاز. عاشت طويلا على نهب العراق، خصوصا في ايّام حكم نوري المالكي. لم يعد العراق قادرا على مساعدة نفسه بعد تبخر مئات مليارات الدولارات في سنوات حكم المالكي.

سيكون من الصعب إعادة العراق الى العراقيين. ولكن لا بدّ من المحاولة، على الرغم من انّ الامل في النجاح ضئيل. العراق يستأهل المحاولة، ذلك ان سقوطه في 2003 اخلّ بالتوازن الإقليمي بشكل جذري. ما يعيشه الشرق الاوسط والخليج اليوم هو استمرار للزلزال الذي بدأ باحتلال العراق من دون تفكير عميق في الخطوة التالية.

حسنا، رحل صدّام حسين ونظامه البائس ولكن هل الميليشيات المذهبية التي تديرها ايران بديل افضل؟ هل حيدر العبادي قادر على ان يكون لكلّ العراق ولكلّ العراقيين بثقافته المذهبية المحدودة؟

الأكيد ان البيان المشترك الذي صدر عن محادثات رئيس الوزراء العراقي مع الرئيس الاميركي لا يوفّر كثيرا من الامل، خصوصا انّه لم يتطرق بصراحة الى ممارسات «الحشد الشعبي».

في كلّ الأحوال، هناك امتحان حقيقي امام العبادي في القمة العربية التي ستنعقد قبل نهاية الشهر في الأردن. هل سيكون العراق في هذه القمّة صوتا عربيا عندما يطرح موضوع التدخلات الايرانية في الشؤون العربية.. أم يبقى صوت ايران في الاجتماعات العربية؟