الغزَل «العذري» الذي وجهه الدكتور سمير جعجع الى العماد ميشال عون «لحضور جلسة انتخاب رئيس للجمهورية في مجلس النواب، أو للجلوس معاً للتفاهم على بعض الأسماء لأن موقع الرئاسة يتآكل»، هذا الغزل تحوّل الى وقوفٍ على أطلال الكرسي الرئاسي بعد سقوط الجلسة الإنتخابية السادسة عشرة، وانقضاء مئتي يوم من الأيام والليالي الحرام.
ولا أنصح في المقابل بأن يتم الجلوس بين جعجع وعون للتفاهم، لأنه لم يكن مرة جلوس إلّا كان هناك تفاهم على التخاصم لا تفاهم على التفاهم، ولم تصدق معنا مرة رائدة النهضة الفرنسية زوجة الملك هنري الثامن مارغريت دي نافار حين تقول: «إنَّ الله يساعد دائماً المجانين والعشاق والسكارى».
نحن لا ننكر أن مشكلة الرئاسة المارونية في لبنان هي مرض متأصل لا يزال يتآكل الكرسي منذ ولادة الإستقلال، ومنذ أن دعا الشيخ بشارة الخوري سنة 1943 الى تجريد إميل إدّه من جنسيته اللبنانية بتهمة خرق الدستور.
«يومها، كان خرق الدستور جريمة تستوجب إنتزاع الجنسية فيما الخروقات الدستورية الفاحشة يكافأ عليها اليوم بالمقاعد النيابية المجانية والمقاعد الرئاسية الفضفاضة هكذا كان يقول المثل الفرنسي: «القانون هو ما يفضِّله الملك».
إلاّ أن الطاقات المارونية منذ بداية الإستقلال قد تعدَّدت فيها الجوانب والمواهب بما كان يشكل ضوابط نزاع بين بشارة الخوري وإميل إده، حين راح مثلاً الشيخ بيار الجميل بالرغم من خصومته مع إده يرسل كتائبيين لحراسة منزله في الصنائع للحؤول دون المضايقات الدستورية.
المشكلة المتأزمة بين جعجع وعون، والتي استفحلت ظواهرها سنة 1988 هي في كونهما صادرا بالقوة الجوانب المارونية والمواهب، فخلا لهما الجو الماروني صراعاً محموماً على الكرسي حتى التآكل.
لعل جعجع يستمر في تسجيل بعض النقاط، بأنْ يعلن انسحابه كلياً من المعركة، بهدف انتزاع فتيل هذا التحدي الثنائي الذي ضاقت به الطائفة والطوائف والجمهورية والجمهور، وبات يتهيأ الكثيرون لرمي البحصة الخانقة التي تسببت بانتفاخ الفم وتلعثم اللسان.
ولقد آن الأوان لإنهاء هذا الذي يسميه بعض المفكرين بالإستبداد اللطيف، الذي يسير ضد المصلحة العامة، ولا نريد نحن أن نسميه بالإستبداد العنيف تشبُّهاً بهتلر، لأن هتلر عندما خسر معركته الأخيرة أطلق على نفسه النار.