أرجو أن يعذرني إخواننا الموارنة الذين يقرأونني وأنا أخوض حملة بعد حملة على القادة الموارنة الأقوياء، منذ أن شنّوها علينا وعلى أنفسهم حملات لا تزال تجرر أذيالها فوق لهيب الصراعات.
وسأظلّ أطلق عليهم النار الوفاقية حتى يستسلموا، وسلاحي «الميليشيوي» وصَفْته يوماً في قصيدة وطنية بالقول:
أَحشْو بأقلامِ الرصاصِ مسدَّسي
لا بالرصاصِ الحاقدِ الحرَّاقِ
سطَّرتُ ملحمةَ الوفاقِ بأضلُعي
ونَثَرْتُ بعضَ دمي على أوراقي
أقول هذا وأنا أرقب ذلك اللقاء المنتظر بين قطبين مارونيين يوصفان بالأَكْبرَيْن، ولا يزال التمهيد لهذا اللقاء يتدرَّج على غرار غزلية أحمد شوقي.
من النظرة، الى الإبتسامة، الى السلام، الى الكلام… فيما اللقاء لا يزال موعده كالموعد الذي كان يطلبه الشاعر من الحبيبة هند، والجواب: دائماً هو بعد غد.
أعاهد إخواننا الموارنة أنني سأستمر في توجيه كل أسلحتي ضد من يتسبب بإخفاق اللقاء، وأنا أعرف أن الكلمات الصادقة ليست دائماً جميلة، مثلما أن الكلمات الجميلة ليست دائماً صادقة.
لقد آنَ للموارنة من ذوي القوة الفائضة، أن يكفّوا عن استخدام هذه القوة ضدّ الذات، لأن الصراع الحاد على الفريسة الرئاسية بات يلامس الخطر الوجودي، ويرتدّ بإصابات قاتلة على الطائفة المارونية، وبالشظايا الحارقة على الكيان الوطني.
وإن من ضحايا هذا الصراع، هو فقدان الثقل الماروني في إطار معادلة التوازن الوطني، وفي دولة يحتضر فيها القانون تحت وطأة الطغيان الطائفي والمذهبي، فإذا الحق في كل شيء للأقوى، وليس كما يصفه غاندي: «الحق هو القوة وليست القوة هي الحق».
ألَمْ يرَ معنا الذين لا يقرأون غاندي، أن الحق الماروني أصبح مستباحاً بحكم مرجعيته الأضعف في انقسامها على ذاتها، فراح كل طرف يلتجئ الى ذاتٍ أخرى ليحقق بها لضعفه استقواء على الطرف الماروني المنافس… وبهذا أصبحت الطائفة المارونية قوية في ضعفها؟
بصراحة… لا يستطيع السواد الأعظم الماروني أن يفرّط بعد، بالمزيد من تراثه التاريخي.
ولا تستطيع المذاهب المسيحية الأخرى أن تتحمل بعد، إنهيارات وطنية وسياسية بفعل ما ترتكبه القيادات المارونية باسم المسيحيين.
ولا يستطيع التاريخ المسيحي أن يتحمل بعد، حروباً تُرفَع فيها الصلبان المعقوفة، على غرار المصاحف التي رفعها معاوية في حربه ضد الإمام علي بن أبي طالب.
إننا نرقب بأمل متفائل ذلك اللقاء الماروني الموعود، فإذا أخفق – لا سمح الله – فلا بدّ إذ ذاك من «ربيع ماروني» يضع حدّاً لتجرُّع السمّ على غرار تلك الصراعات المسيحية الأوروبية التي استمرت ثلاثين سنة ويزيد، وهي تحصد الآلاف من الرؤوس، من دون أن تسلم فيها رؤوس الزعماء الأقوياء وفي طليعتهم الملك هنري الثالث.