لا الأعياد تنفع ولا الكلمات تُقنع ولا “حيتان المال” تشبع. فعلى أبواب الميلاد الذي يبدو حزيناً هذا العام، وعلى أبواب تشكيل حكومة حلول شبه وهمية لن تقدّم للمواطن الا البطالة وحجز أمواله في المصارف وفقدان العديد من السلع والخدمات والخبز والادوية، بل تُقدّم مزيداً من الضبابية في الرؤية المستقبلية ووعد بالعوز والجوع والقلق، والأمان المزيّف، في ظلّ سرقات متواصلة أبطالها سياسيون وأعوانهم، ومصرفيون وأعوانهم، اعتادوا سرقة الوقت وأخيراً… سرقة الصحة.
على أسِرّة “المرض” ثمة من يستعطي مدّخراته ولا يحصل عليها. وكأنّ الوجع لا يكفيه ليصير المرضى في عوز الاستشفاء في ظل انقطاع العديد من المستلزمات الطبية بالاضافة الى عدم القدرة على دفع فروقات العلاجات في المستشفيات أو عدم موافقة المصارف على الافراج عن “الأموال” لصالح أصحابها من أجل تغطية تكاليف علاجاتهم دون الاحساس وكأنهم شحاذون؟ أي ظلم هذا وما الذي ينتظرنا بعد؟
“تغتصب” المصارف حقوق المودعين على حساب المرض والجوع والذلّ…ومهما كانت تبريراتها وأعذارها، تضرب عرض الحائط بكل القيم الانسانية والاخلاقية …وتزيد من تردّي حالات الناس البائسة التى تبحث عن متنفّس صغير في حقوقها ومدّخراتها..والنتيجة! من يرثي لهؤلاء ..الحكومة المخلوعة؟ المؤسسات الزمنية وغير الزمنية في هذا الزمن الرديء؟ والجوع والعوز على الابواب فإذا حاولنا اختصار الوضع لوجدنا أن الشعب هو الوحيد الذي يعاني بمعزل عن هذه المؤسسات التي تمتلك ما يسمح لها ان تكفي ذاتها بذاتها… وملذّاتها.
الوجع… وجعان
“ترددت كثيراً قبل كتابة هذا “البوست” لكنّ الامور وصلت إلى حدّ من الوقاحة غير المسبوقة، وها أنا أجد نفسي مضطرة لأوصل صوتي بطريقة حضارية ولعلّها الطريقة الوحيدة. أنا مريضة سرطان، وقد خضعت لعمليتين جراحيتين دقيقتين وبحاجة الى المزيد من العمليات والعلاجات. طلبت من المصرف الذي أتعامل معه أن أتمكن من سحب مبلغ من مالي الخاص لتغطية تكاليف العملية واذا بالردّ من إدارة المصرف: أعطنا رقم المستشفى ونحن نقوم بتحويل المبلغ اللازم مباشرة. فبماذا يُفترض أن أشعر؟ هل أشحذ مالي الخاص؟ ألا يكفي أنني مُغرّبة وأواجه هذا المرض بعيداً عن أهلي وإخوتي؟ هل يجب أن أقضي أيامي تحت ضغط نفسي لعدم قدرتي على تغطية نفقات علاجي وليس لأنني لا أملك المال اللازم بل لأن المصرف يرفض الافراج عنه!”، بهذه العبارات توجّهت زينب رمّال حايك إلى متابعيها عبر صفحتها على فيسبوك طالبة من أصدقائها مشاركة قصّتها علّ صوتها يصل لمن بإمكانه أن يجد لها الحلّ الفعّال.
أصل الحكاية… والعلّة
في اتصال مع “نداء الوطن” تقول زينب: “تواصلت إدارة المصرف معي بعد نشري التعليق على فيسبوك. وطلبت مني الموظفة تزويدها بفواتيري الاستشفائية ليتأكّد المصرف من أني لن أقوم بتهريب مالي الخاص معلّلة ذلك أن جمعية المصارف تمنع منعاً قاطعاً إخراج الدولارات من لبنان، مضيفة إني لطالما كنت أصرف وأنا مقيمة في دبي فلماذا الحاجة الى المال في الظرف الراهن؟ عندما كنا نحن المغتربين نرسل أموالنا الى لبنان كنا مصدر حياة للمصارف وللاقتصاد ككل. اليوم باتت هذه المصارف مصدر موت لنا”.
وتوضح زينب: “لست مجبرة على تبرير مصاريفي الخاصة لا سيما وأنها من مالي الخاص في حسابي الجاري. ولست ملزمة بإرسال ملفي الطبي حتى أشحذ بموجبه إعاشة أسبوعية فوضعي الصحي معروف من قِبل الجميع. أنا مريضة بالسرطان وأقلّ الامور أن أشعر بالراحة نفسياً، لا أتحمل مزيداً من الضغط لناحية تأمين مصاريف وأكلاف علاجي إلى جانب مصاريف أقساط مدارس ولدي. إضافة الى ذلك لست ملزمة بالتفكير بالاقتراض من مصرف في محلّ إقامتي لأتعالج.
حتى الساعة خضعت لعمليتين جراحيتين الاولى في شهر تموز والثانية في شهر أيلول أما العملية الجراحية الثالثة فخلال شهر كانون الثاني المقبل. ولأتمكن من الخضوع للعلاج اللازم عليّ أن أستعطي وأطلب رضى جمعية المصارف وسيتوجّب عليّ أن أطلب من طبيبي تزويدي بتقرير طبي عن حالتي حتى يقرّر المصرف الذي يحتجز أموالي المبلغ الذي سيتحنّن عليّ به. وإلا، وكما قالت لي موظّفة المصرف سيتحتّم عليّ أن أكتب وأشتكي وأبكي قدر ما أشاء ولن أصل الى النتيجة التي أريد “فهذا البلد هيك ماشي” حسبما قالت في المكالمة الهاتفية المُسجّلة”.
وعن تفكيرها بالتوجّه الى القضاء توضح زينب: “نعم فكرت جدياً بذلك ولكن وضعي الصحي والنفسي قد يُعيق تحقيق ذلك لا سيما وأنني أعمل وأعيش مع زوجي وولدي في الامارات المتحدة، إلا أنني لن أتردد باتخاذ الاجراءات اللازمة ضد من يحتجز أموالي ويشكل خطراً على حياتي”.
قصة زينب واحدة من قصص كثيرة “ضربها” سوء التدابير المصرفية التي لم تعد تفرّق بين حالة إنسانية وغيرها، ومن له أذنان سامعتان… فليتصرّف!
ملاحظة: لقد تحفّظنا عن ذكر اسم المصرف لأن ما يهمّنا ليس التجريح واستهداف مصرف معيّن خصوصاً أن ما يحصل ينسحب على أكثر من مؤسسة مصرفية وقد حصرنا اهتمامنا بنقل المعاناة الإنسانية التي تُشكّل عيّنة من حالات كثيرة تستحق التوقف عندها بتمعّن.