عاش لبنان عشرين عاماً من الحرب بمجلس نيابي انتخب في العام 1972 واستمر يمدّد لنفسه حتى إقرار تعديلات الطائف الدستورية عام 1990، عاش سواء برؤساء حكومة أو من دونها يستقيلون ويعتكفون ويغتالون، عاش أيضاً سواء بدون رئيس جمهورية عامين مدمّراً محطّماً عامي 1989 و1990، وعاش من دون رئيس جمهوريّة عامين ونصف حتى أن مدمّر العامين المشؤومين المذكورين أعلاه أعاده حزب الله إلى قصر بعبدا، والآن لا حكومة ولا رئيس فراغٌ معتاد تجربة تعيد تكرار نفسها يحيط بها الانهيار من كلّ جانب، كلّ ما حولنا يقع ويقوم يدخل حروب ويخرج منها وندفع ثمن صراعات المنطقة وأجنداتها من فلسطين إلى مصر إلى سوريا إلى إسرائيل إلى إيران وعلى رأس كلّ هؤلاء الولايات المتحدّة الأميركية والاتحاد السوفياتي، ومع هذا بقي لبنان برغم كلّ ما مرّ عليه من فراعنة وفرعنة، بصرف النّظر من خروج أمين عام حزب الله حسن نصر الله علينا في كلّ ولاية رئاسيّة ليخبرنا أن حزبه يخوض داخلياً معركة الرئاسة ويتشاطر علينا بالكلام أنّه لا يرشّح أجداً للرئاسة بل يدعم مرشحاً هو نفسه لم يعلن أنّه مرشّح للرّئاسة!
لم يتغيّر حرفٌ من قدر وقوعه تحت احتلال إيراني بالسلاح مع عجزٍ كاملٍ أصاب مؤسساته ومفاصله كلّها، واليوم؛ لم يعد هناك خيار أمام اللبنانيين إلا مواجهة حزب الله ومشاريعة بالكلمة وبالوقفة وبإضاءة شمعة سلام على نيّة خلاصنا من الشيطان الإيراني الذي تمكن من الجسد اللبناني الواهن، فلا الجغرافيا تُنزلنا عن صليب السوري والإسرائيلي، ولا السياسة تنزلنا عن صليب العربي والإيراني، ولا أي انتخابات ستنزلنا عن صليب “الثنائية الشيعيّة” التي فرضت نفسها بقهر السلاح فصادرت الرئاسات الثلاث عنوة، وما أكثر صلبانك يا لبنان!
قدر لبنان في هذه البقعة من الأرض الجغرافية أن ينتقل من سيطرة إلى أخرى ومن احتلال إلى آخر، وبرغم كلّ مظاهر الفرعنة التي يبديها حزب الله، وما نراه من تفاقم الأحداث في إيران تقول عمليّاً إنّ العمر الإفتراضي لـ”الجمهوريّة الإسلامية في إيران” انتهى، والمعادلة هنا بسيطة، أكبر إمبراطوريات التاريخ آلت إلى الانحلال والدمار بعد أربعة قرون أو خمسة أو ستّة في أحسن الأحوال، وما كان يُقاس بالقرون في الزمن القديم يُقاس اليوم بالعقود، وإذا كانت خارطة منطقة الشرق الأوسط بأمّها وأبيها لم تعش أكثر من خمسة أو ستة عقود منذ خمسينات القرن الماضي مع هكذا قياس نستطيع أن نقول في هذه الأيام المباركة أنّ عمر إيران “ثورة الخميني” الإفتراضي شارف على نهايته، وهذا هو الحلّ الذي يخرج لبنان من أزماته الخانقة وتحكم “الشيعيّة الفارسيّة) بلبنان بوجه ظاهره دين وباطنه وجوهره سياسية، وكلّي ثقة بأنّنا سنرى قول الله يتحقّق في إيران: {أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ} [النحل: 47 ـ 46].
* “أستميحكم عذراً عن أيام عديدة تغيّب فيها الهامش فالموت ضرب عائلتنا ثلاثة متتالية قاسية في أشهر لم تتجاوز الأربعة لم نخرج إلا من حزن عميق إلى آخر أشدّ عمقاً، كأنّ الأحزان تحفر تحت بعضها بعضاً”.