مَن سمع المؤتمر الصحافي لرئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل امس، إستذكر على الفور تلك المقولة الشهيرة “ما ترك للستر مغطّى”، بعد توزيعه السهام النارية والاتهامات والهجومات يميناً وشمالاً، في إتجاه بعض الشخصيات المارونية، في مقدمها قائد الجيش العماد جوزاف عون، المرشح الابرز الى الرئاسة الذي يتم التداول بإسمه كمرشح توافقي منذ فترة طويلة، وقد إعتبر باسيل خلال مؤتمره ” بأنّ العماد عون يخالف قوانين الدفاع والمحاسبة، ويأخذ بالقوّة صلاحيات وزير الدفاع، ويتصرّف على هواه بالملايين، بصندوق للأموال الخاصة وبممتلكات الجيش”، الامر الذي يمكن تفسيره على الفور بأنّ كل مرشح الى المركز الاول، سيلاقي قصفاً عنيفاً ستتطاير خلاله الشظايا العشوائية لمسافات بعيدة المدى.
وتقول مصادر سياسية ان كل من يقف ضد طموح رئيس ” التيار” يتلقى على الفور إتهامات بالجملة، لانّ لعبة الرئاسة وكرسيها يلعبان الدور الاكبر في تباعد الافرقاء السياسيين، اما باسيل فيبعد الحلفاء ويجرف الخصوم، وكل من يقف ضده في هذا الاطار، وهذا ما حصل مع رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية، الذي أبعدته الرئاسة عن باسيل ، لتبدأ بعدها المنافسة ويتغير المشهد الى التوتر الخفي، ثم العلني مروراً بسهام سياسية متبادلة، وصولاً الى السجالات والردود، وبعدها الى ما يشبه القطيعة، لانّ الرجلين طامحان منذ سنوات للموقع الاول، فرنجية منذ العام 2013 وباسيل منذ وصول العماد ميشال عون في نهاية تشرين الاول 2016، اذ بدأ التحضير لهذا المنصب، لذا لم تتواجد الكيمياء السياسية بينهما منذ ذلك الحين، لانّ الطموح ” في الدق”.
وتشير المصادر ان عملية جمع باسيل وفرنجية على هدف واحد من الصعب ان تتحقق، مما يؤكد بأن صراع الاقطاب الموارنة لا نهاية له، ورئيس “التيار الوطني الحر” سبق ان كرّر مراراً مواقفه، وأفهم الجميع مَن يستحق كرسي الرئاسة، معدّداً صفات الرئيس المطلوب، راسماً بذلك خارطة الاستحقاق المرتقب ، أي انه أطلق رسائل عديدة في إتجاه المرشحين، بدأها من بنشعي ليقول لفرنجية:” على الرئيس ان يتحلى بصفة مهمة جداً هي الحجم التمثيلي للمرشح”، وهذه نقطة الضعف لدى رئيس “المردة “، نسبة لما يمثله في المقابل رئيس” التيار” من شعبية، لكن هذه الصفة التي يستعين بها للهجوم على بعض المرشحين، لن تحقق له غاياته مع قائد الجيش تضيف المصادر، والذي يلاقي تأييداً شعبياً كبيراً لتوّلي الرئاسة، فضلاً عن تأييد من اكثرية الاطراف السياسية ، نسبة للصفات التي يتحلى بها وهي مطلوبة في الرئيس، خصوصاً في هذه المرحلة، لكن وسط ما يجري من مستجدات الهجوم يوم امس، فالخوف يكبر من عودة مقولة “عون او لا رئيس”، لتستبدل بـ” باسيل او لا رئيس”!
وفي السياق، يُفهم من كلام باسيل ” بأننا نعمل لوصول رئيس يُشبهنا، ولقد وضعنا مسودة لائحة أولية بأسماء من دون تبنّيها أو ترشيحها وإختيارها، وذلك على قاعدة أنّها أفضل من غيرها، ولذا بدأنا جولة اتصالات مع نواب وكتل”، كاشفاً أنّه يفكر جدّياً بالترشح لرئاسة الجمهورية، من أجل الحفاظ على مبدأ صحة التمثيل، فيما ردّد مراراً انه غير مرشح، فما الذي تغير؟ الامرالذي إعتبرته مصادر سياسية متابعة لما يجري من مستجدات رئاسية، بأنّ المنافسة هي التي اطلقت العنان لهذا الهجوم، وفتحت الشهية على الترشح، بعد إستشعار رئيس “التيار” وتأكده بأنّ قائد الجيش يلاقي قبولاً في الداخل والخارج، وإمكانية وصوله الى بعبدا تتقدّم، لذا لا بدَ من ” الحرتقة”، كما انّ الخلاف الذي ساد قبل ايام بين الاخير ووزير الدفاع موريس سليم، يقف وراءه باسيل وفق ما قالت المصادر المذكورة، وحين تبيّن له بأنّ الخلاف ازيل بينهما ، عاد ليوتر الاجواء من جديد، مستعيناً بعبارات مرفوضة ضد العماد عون، لكن هجوم باسيل عليه زاده شعبية اكثر، فيما باسيل يتلقى منذ بعد ظهر امس هجومات من مختلف الاطياف على مواقع التواصل الاجتماعي، ومن مناصري اغلبية الافرقاء على الاتهامات التي اطلقها ضد العماد عون من دون اي سبب، وهذا يعني انّ” كرسي بعبدا ” ستشعل الخلافات المسيحية من جديد وهذه المرة على نطاق أوسع.