Site icon IMLebanon

من «اشتبرق» إلى «الجزيرة»؛ بصراحة عن إبادة العلويين

على السفوح الشرقية لجبال اللاذقية، بالقرب من جسر الشغور، تقع بلدة الفلاحين البسطاء، اشتبرق. أبناؤها علويون. وأنْ تكون علوياً، فهذه خطيئة أصلية لا علاج لها إلا بالقتل في عرف العثمانيين. الأجداد من عصابات سليمان شاه، والأحفاد من عصابات “داعش” المتطرفة و”النصرة” “المعتدلة”! وحين تمكنت الأخيرة من الاستيلاء على إدلب ــــ جسر الشغور، بدعم شامل من استخبارات أردوغان السفّاح، بادرت إلى تنفيذ البند الأول من برنامج “الثورة السورية”، وربما البند الوحيد على برنامجها الذي طالما تغنى به “يساريون” وليبراليون وهّابيون: “العلوي ع التابوت… والمسيحي ع بيروت”.

وفي دلالة بليغة على اعتدال “النصرة”، فقد التزمت ميليشياتها بهذا الشعار حرفياً؛ لم تقتل المسيحيين، أو تسبي نساءهم، أو تفرض عليهم الجزية، كما تفعل “داعش”، وإنما قامت بتهجيرهم جماعياً من “المناطق المحررة”، بينما أعملت القتل في صفوف العلويين في بلدة اشتبرق؛ هرب منهم من تمكن من النجاة، وسقط منهم ما يربو على مئتين بين شهيد وجريح، في مذبحة جديدة، ليس لها ضرورة عسكرية، ولا ضرورة “ثورية”، وإنما هي تعبير عن عقلية اجرامية متغلغلة في صفوف ميليشيات الفاشية الدينية.

هذه ليست أول مذبحة للعلويين المدنيين منذ انطلاق “ثورة” المهووسين بالقتل في سوريا، العام 2011. فخلال السنوات الأربع الفائتة من عمر تلك “الثورة” السوداء، تعرّض العلويون السوريون، فقط لكونهم علويين، إلى سلسلة من المذابح والاغتيالات والتهجير (حتى من أحياء دمشقية) تحت طائلة الذبح. صحيح أن المسيحيين ــــ وكذلك الشيعة والاسماعيليين ــــ تعرّضوا، أيضا، لجرائم ضد الانسانية، مغرقة في البشاعة والهمجية، لكن المذابح ضد العلويين كانت، وما تزال، أبلغ لسببين، أولهما أنها طالت أعداداً أكبر مما طال الطوائف الأخرى، وثانيا، لأن تلك المذابح ظلت حتى الآن من ظواهر الحرب السورية، المسكوت عنها، حتى النسيان، بينما جرى تسليط الضوء، مراراً، على ما تعرّضت له الطوائف الأخرى من اعتداءات ومآس.

يقدّر المرء، ولا بد، الدوافع الوطنية النبيلة للصمت الرسمي السوري إزاء مذابح العلويين. فكون الرئيس وجزء من النخبة السورية، تنتمي، بالمصادفة أو بصورة طبيعية، إلى الطائفة العلوية، ساد الاعتقاد بأن الصمت عن الدم العلوي والتضحيات العلوية، أكرم، وأفيد للوحدة الوطنية السورية، من حيث أنه يتلافى ردود الأفعال، ويضبط روح الثأر. وقد كان هذا المسلك السياسي والاعلامي يبدو مسوّغاً، رغم أنه من غير الأخلاقي السكوت عن أي جريمة ضد البشر بسبب العرق أو الدين أو المذهب الخ. ولكننا لا نستطيع أن نقبل، اليوم، أي مسوّغ للصمت على جرائم الإبادة ضد العلويين، لسببين، أولهما، سياسي ــــ ميداني؛ فالتحالف العثماني ــــ الوهّابي، المعبَّر عنه في اتحاد ما يسمى “جيش الفتح” يخطط، فعلياً، لغزو الساحل السوري. وهو سيفشل حتماً، إلا أن احتمالات العدوان الإرهابي على تجمعات علوية ومسيحية ستتزايد، وثانيهما، أخلاقي؛ فلم يعد جائزاً، تحت أي مبررٍ كائنا ما كان، السكوت على الاستهداف الإجرامي المتعمد لإبادة جماعة بشرية.

تدلنا مؤشرات عديدة، في الأسابيع الأخيرة، على الخطة التركية ــــ السعودية ــــ القطرية، للتحريض على الإبادة الجماعية للعلويين في سوريا؛ هناك، أولا، مذبحة اشتبرق ــــ المقصودة والمصممة للترويع ــــ وثانيا، الحملة الدعائية المنظمة التي وظّفت سقوط جسر الشغور، لخلق حالة ذعر تستهدف الساحل، وثالثاً، الترويج ــــ المقصود منه تحقيق ذاته ــــ للادعاء بأن العلويين يفرّون من دمشق، ورابعاً، الدعوة الفاشية الصريحة التي أطلقتها قناة “الجزيرة” القطرية لإبادة العلويين. وهي جريمة موصوفة، لم تتوقف عندها أي هيئة انسانية أو حقوقية، بل وتجاهلتها، كالعادة، الجهات الحكومية السورية، ولم يثرها غير ناشط سوري (نبيل فياض) دعا إلى مقاضاة قناة “الجزيرة”، بجريمة التحريض على الإبادة الجماعية.

بلاد الشام والعراق، هي بلاد التعددية الاثنية والدينية والمذهبية والثقافية. وهي، رغم كل مخططات الشر العثمانية ــــ الوهابية، ستظل كذلك، ولا مكان فيها للرجعية والفاشية الدينية والعرقية؛ هذا هو المضمون الرئيسي لحربنا الوطنية التي نخوضها الآن، ولن نربحها إلا بفضح الفاشية الدينية التي تستهدف الجماعات المذهبية، والفاشية العرقية التي تستهدف العرب والسريان والأرمن. وينبغي ألا نتسامح إزاء أي عداء لأي جماعة مشرقية، علنا وخارج أي اعتبارات من أي نوع؛ فسكوتنا على الفاشيين، ومجاملة أنصارهم وبيئاتهم، هي نقطة ضعفنا في هذه الحرب المستمرة على روح المشرق منذ مئات السنين.