منذ 5 أشهر ونصف، وتحديداً في 21 نيسان، أقر البرلمان اللبناني، لأغراض طبية وصناعية، مشروع القانون الخاص بـ”القنب الهندي” أو الحشيش لتوفير مورد إضافي للخزينة العامة في ظل أزمة اقتصادية غير مسبوقة. هلل أهل الحكم لهذا الإنجاز المنتقص، كتهليلهم من أيام لقانون الإثراء غير المشروع رغم علمهم أن لا جدوى من إقرارهم للقانون إن لم يستتبع إقراره باتخاذ خطوات أساسية مهمة، فمرت الأيام وبقي القانون صورياً. ما الذي يؤخرنا عن الإنجاز الحقيقي؟
في خلال جلسة برلمانية، أيّد كلّ من رئيس البرلمان، نبيه بري، وكتلة الحزب التقدمي الاشتراكي (9 نواب)، وتكتل لبنان القوي (29 نائباً يترأسهم جبران باسيل)، قوننة زراعة “القنب الهندي” أما “حزب الله” المسيطر على المنطقة التي تزرع فيها هذه النبتة بكميات كبيرة فقد صوت ضدها. وتوقف رفض “حزب الله” لمضمون القانون، في عدم التصويت عليه ولكن من دون أن ينحو باتجاه الطعن به لأنه لا جدوى أساساً من الطعن فلا قيمة للقانون ما لم يتم تعيين “الهيئة الناظمة”، التي وبحسب المقترح في طيات القانون، تُعتبر أساسية ولا يمكن المضي من دونها. فهي تتمتع بالشخصية المعنوية وبالاستقلالين المادي والإداري، فهي التي تمنح التراخيص للمنشآت ولديها صلاحيات الرقابة والإشراف على أنشطة هذه الزراعة، بالإضافة إلى اعتماد سلطة الوصاية على هذه الهيئة وهي رئاسة مجلس الوزراء وليس وزارة الزراعة أو الصحة.
ظن المواطن البقاعي أنه “إجا الفرج” بعد انعقاد حوالى 23 جلسة للجنة تشريع زراعة القنب الهندي للاستخدام الطبي، وأن إقرار القانون من شأنه أن يضع البقاع أمام مرحلة اقتصادية جديدة، وسيعزّز دور لبنان في الصناعات الزراعية المزدهرة حول العالم، وأنه بات في الإمكان زرع النبتة التي يسترزق منها قانونياً، حيث لن يكون بعد اليوم بحاجة لوصاية حزب يحميه من التوقيف، ولم يعلم أن قانونه المنتظر كان “حبراً على ورق” وأن الإنجاز يعتبر بحكم الوهمي ما لم يُصر إلى تشكيل الهيئة الناظمة.
وفي هذا الإطار، يلقي نائب رئيس مجلس الوزراء السابق غسان حاصباني الضوء على أن السر في “صوريّة أغلب التشريعات والقوانين التي يقرها المجلس يكمن في عدم تشكيل الهيئات الناظمة رغم أهميتها في عملية الإصلاح”. ويقول لـ”نداء الوطن” إن “لا نية في الإصلاح البنيوي والشفاف ولا للتغيير الجذري والحقيقي ما لم يتم اتخاذ قرار تشكيل الهيئات الناظمة التي ينص عليها القانون وتحديداً تلك المتعلقة بثلاثة قطاعات رئيسية هي الاتصالات والكهرباء والطيران المدني”. ويضحك متابعاً “والطريف أن هناك مماطلة حتى في انشاء هيئة ناظمة لمحاربة الفساد أو حتى الهيئة الناظمة لتنظيم زراعة القنب الهندي فيقف القانون من دون تنفيذ وبلا مراسيم تطبيقية وبلا هيئة، أي عملياً تم تفريغه من مضمونه، وقس على ذلك في كل شيء آخر”. ويشرح: “على المواطن الأخذ العلم أن إنشاء الهيئات الناظمة في أي وزارة أو قطاع يتم بموجب قوانين صادرة عن مجلس النواب، وبالتالي هناك قرار سياسي متخذ من قبل الكتل النيابية التي تشكل الأكثرية، ضد إنشائها خوفاً على صلاحيات وزرائهم. وهكذا يُترجم مفهوم مصطلح “الوزير الملك” على أرض الواقع، إذ ومع عدم وجود هيئات ناظمة مؤلفة من متخصصين كفوئين يديرون القطاع على أسس علمية بحتة، يتفرّد حزب واحد، بالتحكم في كل شيء من اعطاء التراخيص إلى الشراء والبيع وغيره. وعليه أن يعي أيضاً، أن الطريق نحو محاربة الفساد تبدأ من تشكيل الهيئات الناظمة المتخصصة وأنه في بعض البلدان المتطورة لا حاجة للوزارات لإدارة قطاعات حيوية بل تدار عبر هيئات كفوءة ومتخصصة” وأن “الدستور ينص على أن الوزير هو سيّد وزارته ورأس السلطة فيها وليس حاكماً بأمره، بل يدير ويطبق القوانين المرعية الإجراء والتي تندرج ضمنها الهيئات الناظمة التي في صلب اسمها “التنظيم” والتخصص واتخاذ التدابير المهمة في القطاع المحدد التابعة له بغض النظر عن هوية الوزير أو انتمائه السياسي الذي قد يتبدل بين حكومة وأخرى”.
كنز مدفون
وفي السياق، يؤكد النائب في كتلة التنمية والتحرير (تكتل حركة أمل) ياسين جابر الذي ترأس اللجنة الفرعية التي كلفت دراسة اقتراحات القوانين المقدمة من كتلة الرئيس نبيه بري ومن كتلتي القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر بتشريع زراعة القنب، لـ”نداء الوطن” أن “حصر كل شيء في يد شخص واحد خطأ، وعليه أقر مجلس النواب قانون زراعة القنب الهندي للإستعمال الطبي والصناعي بهيئة ناظمة واحدة، وحتى تشكيلها، لا يمكننا المضي في أي شيء رغم أن لبنان بأمس الحاجة حالياً لأن يجذب الإستثمارات الأجنبية” ويتابع “يُقال أن أهم ما يؤثر في الإقتصاد هو “الأخبار الإيجابية” فتلاحظون أنه ومع مجيء ماكرون إلى لبنان والإعلان عن المبادرة الفرنسية، تحسن سعر الليرة اللبنانية مقابل الدولار وبأيام معدودة انخفض سعر الصرف من نصف حدود ما وصل إليه (من حوالى 10 آلاف إلى 4 آلاف) أي ما يوازي سعر المنصة الإلكترونية ولو نجحت المبادرة الفرنسية كان التحسن سيكون أكبر، وعليه، ما نحتاجه اليوم وبشكل عاجل هو تشكيل حكومة وبعدها فوراً تعيين الهيئات الناظمة في كل القطاعات ومنها الهيئة الناظمة لزراعة القنب الهندي على أن تتكون من متخصصين وكفوئين يعدون الدراسات والخطط التنفيذية لتطوير القطاع، بما في ذلك تحديد الأسعار والخدمات وجودتها”. ويختم جابر “كما أنه حتى الساعة لم يبدأ العمل على المراسيم التطبيقية”
كمن يتربع على كنز مدفون وهو لا يملك قرشاً، أكد عضو تكتل “الجمهورية القوية” النائب أنطوان حبشي لـ”نداء الوطن” أن في تنظيم هذا القطاع بالذات أموال وبعض “الأوكسيجين للإقتصاد اللبناني الذي يعاني من أزمات كبرى في الآونة الأخيرة ولكن للأسف إقرار القانون غير كاف لجلب المستثمر الذي سيضخ مالاً في البلد وأنه، وبالإضافة إلى إنشاء الهيئة التنظيمية المطلوب “إستكمال القانون بمراسيم تطبيقية”.
ويتابع “تابعت من اللحظة الأولى لإقرار القانون مع الرئيس حسان دياب للإسراع بصدوره وذلك قبل استقالة الحكومة ودخولها مرحلة تصريف الأعمال، وعليه وحتى تشكيل حكومة جديدة، علينا الإستفادة من الوقت والعمل على تجهيز المراسيم وآليات العمل والأطر التي على المزارعين والمستثمرين العمل على أساسها وعدم إضاعة الوقت. فالقطاع سيكون قطاعاً منتجاً وليس ريعياً، ويؤسس لاقتصاد معرفي، وهناك مردود كبير للبنان يقف منذ أكثر من 170 يوماً في وقت نحن بحاجة لآخر فلس يمكننا تأمينه، فما بالك في زراعة تجذب مستثمرين أجانب ودولارات طازجة “Fresh Money” من الخارج وتشكل دائرة إقتصادية كاملة يستفيد منها المزارع والتاجر والدولة والمجتمع ككل، وتضخ من خلالها أموال من الخارج وتدخل أموال عبر الضرائب الى خزينة الدولة. والجدير بالإشارة، إلى أن هناك شركات عالمية من مختلف القطاعات (الأدوية، النسيج، الخ) تابعت عن كثب عملية سير القانون ومهتمة لدخول السوق اللبناني من بابه الواسع علينا ألا نخسر اهتمامها”.
يؤكد حبشي أن كلفة الإنتاج في لبنان ستكون أقل من الخارج كما يشير إلى تميز النوعية اللبنانية عن غيرها ما يعطي الشركات التي ستستثمر في لبنان قدرة تنافسية أعلى في مجال الأدوية التي ترتكز على القنب الهندي. ويقول “أما الذي نحاول تفاديه فهو أن يصبح هذا القانون معطلاً عملياً كغيره من القوانين الكثيرة التي تفوق الـ50 قانوناً التي لم تطبق جراء عدم إصدار مراسيم تطبيقية لها”. ويتابع “للأسف اليوم، لا تتلف سهول الحشيشة المزروعة حتى قرب نقاط قوى الأمن وبنفس الوقت لم تنجح طروحات الزراعات البديلة، وعليه إن المضي بالقانون الذي يشرع زراعة القنب لغايات طبية وصناعية يدفع المزارع نحو التوجه إلى تأمين مدخوله المادي في زراعة مقوننة تستفيد الدولة منها”.