لبنان كما هو معروف بلد الحريات والديموقراطية، أعني هنا الحريات السياسية والعقائدية، والحريات الإعلامية وحرية التفكير وقول وانتقاد الرؤساء طبعاً ضمن النظام.
وهذا النظام الحر الذي ميّز لبنان عن العالم العربي أهّلنا لنستفيد من هذه الحريات، حيث أصبح عندنا نظام مصرفي حر، من أهم الأنظمة في العالم، وأصبح عندنا بنوك وصل عددها الى ٨٠ وربما أكثر أو أقل، بينما في بقية الدول الحد الأقصى ١٠ أو ١٥ مصرفاً، بالإضافة الى السرّية المصرفية التي كان يتمسّك بها المرحوم الوزير ريمون إدّه… أمّا البلدان اللذان يوجد فيهما سرّية مصرفية فهما لبنان وسويسرا على صعيد العالم كله.
إستفاد لبنان وبسبب نظامه الديموقراطي الحر من الثروة العربية التي بدأت في الستينات من النفط حيث أصبح لبنان بنك العرب ومستشفى العرب ومدرسة وجامعة العرب.
في المقابل، سقط النظام الاشتراكي مع سقوط الاتحاد السوڤياتي عام ١٩٩٠ وأصبحت هناك ٢٢ دولة كل واحدة لها استقلالها، ولم تقدّم لها أي مساعدات من الدولة الأم.
وبسقوط النظام الاشتراكي أصبح النظام الحر سيّد العالم.
اليوم هناك تعثّر في البنوك اللبنانية، فالسؤال: مَن هو المسؤول؟ البنوك أم مصرف لبنان أم الدولة أو النظام السياسي الذي يحكم لبنان.
بكل صراحة المسؤول الأوّل عن هذه الأزمة هو النظام السياسي، إذ أنّ أسباب التعثّر السياسي هي:
أولاً: عدم النجاح في قطاع الكهرباء، فبدلاً من أن يعطي مدخولاً للدولة كما هي الحال في جميع دول العالم، وعندنا مثل أمامنا هو أنّ مدينة زحلة وفي بادرة خاصة قام المهندس أسعد نكد بالإعتماد على نفسه وبنى محطة تكفي زحلة أولاً في المرحلة الأولى ثم تعطي بعض القرى المحيطة بالمدينة، وهذه الشركة تربح في وقت فشل المسؤولون.. وأعني هنا الوزراء الذين تعاقبوا على وزارة الطاقة منذ إقالة الوزير المرحوم جورج افرام عام ١٩٩٣… والغريب العجيب أنّ كل الوزراء الذين تعاقبوا على هذه الوزارة هم من جماعة ٨ آذار السياسية والتي كلفت الخزينة اللبنانية ٤٦ مليار دولار أي أكثر من نصف الدين العام.
ثانياً: الفائض في الموظفين حيث يفيد تقرير لصندوق النقد الدولي أنّ هناك ٦٤ ألف موظف فائض عن المطلوب يكلفون الدولة سنوياً (٤.٥) أربعة مليارات ونصف المليار من الدولارات، ملاحظة ٥٠٠٠ موظف عيّنوا قبل الانتخابات النيابية الأخيرة.
ثالثاً: التهريب والمعابر غير الشرعية والتهرّب الضريبي والجمركي الذي يحرم الخزينة حوالى ٢ مليار دولار.
رابعاً: الأملاك البحرية حيث تخسر الدولة ٨٠٠ مليون دولار سنوياً من عدم استيفاء الرسوم عليها.
خامساً: الهدر والفساد وغياب الهيئات الناظمة في قطاعي الكهرباء والاتصالات، وعدم ترشيد القطاع العام، وإلغاء الصناديق، وهي من أبرز مزاريب هدر المال العام.
أمّا بالنسبة لمصرف لبنان وخصوصاً بالنسبة للحاكم الاستاذ رياض سلامة فإنّ هناك بعض الانتقادات له تتركز على التالي:
أولاً: بالنسبة لسعر الصرف.. يتمسّك حاكم مصرف لبنان بتحديد سعر الصرف لأنّ الشعب اللبناني وهنا نعني الموظفين من قوى الأمن الداخلي والجيش كل هؤلاء يتقاضون رواتبهم بالليرة اللبنانية فلو ترك الدولار حراً ماذا يحدث بهؤلاء الموظفين وماذا يفعلون؟
ثانياً: ينتقدون الحاكم على الهندسات المصرفية.. نقول إنّ هذه الهندسات جلبت الى لبنان مليارات الدولارات، والأهم أنّ هذه الهندسات قد زادت من الودائع في لبنان عمّا كانت عليه عام ١٩٩٠ فقط كانت عشرين مليار دولار فوصلت الى ٢٠٠ مليار دولار.
ثالثاً: البعض ينسى أو لا يحب أن يتذكر كيف أنقذ حاكم مصرف لبنان أصحاب الودائع في البنك الكندي يوم قررت أميركا إقفاله، واستطاع الحاكم بحكمته أن يدمجه مع بنك فرنسي هو بنك سوسييتيه جنرال، وهكذا أنقذ المودعين في البنك الكندي.
رابعاً: كذلك أنقذ المودعين في بنك الجمّال، وبالمناسبة فإنّ الضغط الذي تمارسه أميركا على قطاعنا المالي سببه ليس الحاكم بل الحزب العظيم وقد أعلنت ذلك الإدارة الأميركية مراراً وبشكل رسمي.
خامساً: الأزمة التي بدأت مع الثورة في 17 ت1 2019 هل سببها الحاكم أم أنّ الحقيقة التي لا غبار عليها هي ضد أهل النظام والممارسات والسرقات والهدر الذي يمارسه أهل السلطة؟
سادساً: نفهم أنّ الحزب الشيوعي ومعه منظمة العمل الشيوعي له موقف مبدئي من النظام المالي الحر وأصحابه لم يدركوا لغاية اليوم ان النظام المالي في الاتحاد السوڤياتي انتهى عام 1990.
أمّا بالنسبة لمسؤولية البنوك فعندنا سؤال بسيط: عندما يذهب المودع الى البنك هل يسأله ماذا سنفعل في وديعتي أم أنّ السؤال يكون ما هي نسبة الفائدة التي تريد أن تعطيني اياها؟
وكذلك، وفي عدة مناسبات حاول المسؤولون في جمعية المصارف وأصحاب البنوك الكبيرة أن يعترضوا على السياسة الاقتصادية للوزارات فلم يرد عليهم أحد.. حاولوا التهديد بأنهم لن يعطوا أي قروض طبعاً جاءهم التهديد من المصادر العليا ادفعوا بالتي هي أحسن.
لذلك، فإنّ كل الإقتراحات حول مشاريع «الكابيتال كونترول» هي مشاريع مقنّعة للقضاء على النظام المالي اللبناني بكل صراحة.