Site icon IMLebanon

تشريع الإستنسابية

 

الكابيتال كونترول” يعود كاقتراح قانون معجّل مكرّر

 

مقترح قانون “الكابيتال كونترول” يخالف الفقرة “ج” من الدستور التي تتعلّق بالعدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق

بُري لسان المصارف منذ انفجار الأزمة الاقتصادية والنقدية وهي تطالب بقوننة ضوابط رأس المال، من دون جدوى. فمشاريع “الكابيتال كونترول” المرفوعة من الحكومة سقطت نهاية آذار الماضي بضربة برّي القاضية. فسحب رئيس مجلس النواب نبيه برّي بساط التنظيم النقدي من يد السلطة التنفيذية معلناً ان “الكابيتال كونترول لم يعد له وجود، وليس وارداً في أيامي ان يُشرّع المس بأموال المودعين في المصارف. ولا ان يمس بالدستور بطريقة استخفافية. هناك المادة 174 من قانون النقد والتسليف، فليلجأوا اليها”.

 

ما خرج من باب عين التنية سيدخل من شباك “الاونيسكو” (مقر انعقاد جلسات مجلس النواب بسبب كورونا)، مشوّهاً على شكل اقتراح قانون معجل مكرر، من أجل “وضع ضوابط على التحاويل المصرفية بصورة استثنائية وموقتة”، تقدم به النواب ياسين جابر، سيمون أبي رميا وآلان عون.

 

في الشكل فقد أعاد النائب ياسين جابر المنتمي لكتلة “التنمية والتحرير” التي يرأسها بري اقتراح القانون، رغم إلقاء الاخير الحرم عليه، منسجماً بذلك مع طروحات نواب تكتل”لبنان القوي”. أما في المضمون والتوقيت فبحث تقني آخر، قد يفرغ القانون من فوائده المرجوة ويزيد من مشاكل المودعين والمصارف على حدٍ سواء.

 

فضيحة تشريعية

 

لم يختلف اقتراح قانون “الكابيتال كونترول” كثيراً عما كانت الحكومة قد تقدمت به أكثر من مرة، لجهة الغاية والمبالغ المسموح بتحويلها بالعملات الاجنبية من الحسابات المصرفية. فوضع المقترح سقفاً بـ 50 ألف دولار أميركي يمكن تحويلها سنوياً للغايات التالية: تسديد نفقات المعيشة أو الاستشفاء أو التعليم أو الايجار، إيفاء قروض ناشئة قبل نفاذ القانون، تسديد ضرائب أو رسوم او التزامات مالية ملحة متوجبة لسلطة اجنبية، وشراء مواد أو منتجات صناعية او تجارية أو زراعية أو غذائية أو تكنولوجية أو طبية.

 

أما نقاط الاختلاف التي ترقى إلى مستوى الفضيحة “التشريعية” فتتمثل بتفويض لجنة الرقابة على المصارف صلاحية تلقي الشكاوى والبت بها، مع العلم ان “لجنة الرقابة (المعلق تعيينها) هي هيئة رقابية وليست قضائية”، يقول المحامي المتخصص في الشأن المصرفي عماد الخازن، هذا عدا عن ان “الاحكام والقرارات القضائية التي صدرت عن قضاة ومحاكم مختصة بحق المصارف لم ينفذ أي منها لغاية تاريخه، بسبب الاجراءات وطرق الطعن. وما نفذ منها كان عبر تسوية مع العميل وبرضى المصرف”. فكيف ترمى الكرة لدى لجنة الرقابة من دون ان يحدد اقتراح القانون آلية واضحة للتعامل مع الحالات التي قد تطرح امامها؟

 

وبرأي الخازن فان الاقتراح يخالف الدستور لا سيما الفقرة “ج” التي تتعلق بالعدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق، من حيث اعطاء أفضلية نسبية للمقيمين خارج لبنان وبعض التجار بتحويل مبلغ سقفه 50 ألف دولار، وحرمان المقيمين وبقية اصحاب المصالح من امكانية “تحرير بعض من اموالهم او زيادة قيمتها عبر تحويلها الى الخارج، ومن ثم اعادة ادخالها الى البلد كأموال طازجة “fresh money” مع امكانية سحبها نقداً او مبادلتها مقابل قيم أكبر”. والفقرة “و” التي تكفل الملكية الفردية في نظام ليبرالي حر، حيث ان جوهر الاقتراح هو تقييد الاموال فيما الاستثناء هو تحرير بعضها.

 

الضغط على المصارف

 

في الوقت الذي تحاول فيه المصارف ان تخفض المبالغ المسموح بتحويلها سنوياً من 50 ألف دولار أميركي أو ما يعادلها من العملات الاجنبية إلى حدود 35 ألفاً، لم يراع اقتراح القانون، وضعية المصارف ومقدار سيولتها المتوفرة من العملات الاجنبية، وهو ما سيدفع مصرف لبنان إلى التدخل والدفع من احتياطياته لتعويض النقص ومساعدة بعض المصارف لتمكينها من اجراء التحاويل. هذا فضلاً عن ان اقتراح القانون ألغى نهائياً أو ترك للمصارف حرية التصرف بالتحاويل النقدية الجديدة أو التي وردت بعد تاريخ 17 تشرين، فلم يتضمن امكانية سحبها نقداً بل فقط حرية تحويلها.

 

قانون “متواضع”

 

هذا المقترح الجديد بشكله الحالي “متواضع”، يقولها بلباقته المعهودة رئيس فريق الابحاث الاقتصادية في بنك بيبلوس نسيب غبريل، “فهو ينظم التحاويل المالية من العملات الاجنبية إلى الخارج للضرورات فقط لا غير. في حين أن مطلب المصارف كان منذ البداية تنظيم التحاويل والسحوبات، إلا انه مع الاسف السلطة التنفيذية لم تتحمل مسؤولياتها”. إذا كان الهدف من المقترح المعجل المكرر استعادة الثقة “فلن ينجح”، يقول غبريل إذ ان “الكابيتال كونترول كاجراء يتيم يعتبر غير كافٍ. والاجدى لو انه أتى من ضمن اصلاحات بنيوية جذرية تؤدي إلى صدمة ايجابية ترفع الثقة، وتدفع في المقابل إلى ضخ سيولة في الاسواق وبالتالي إلى اعادة العمل بشكل طبيعي بموضوع الحوالات والسحوبات”.

 

“أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي”، مثل قد لا يصح على اقتراح قانون “الكابيتال كونترول”، فعدا عن انه كان يجب ان يطبق في الحكومة السابقة لحماية أموال المودعين ووقف نزيف الدولار الذي استمر اشهراً طويلة، فانه لا يحل اليوم مشكلة النقص في السيولة والشح بالعملات الاجنبية، وسيفتح المجال أكثر لاعتماد الاستنسابية في المصارف خصوصاً لجهة الشروط في قبول المستندات والاثباتات من أجل تنظيم عمليات التحويل.