الجمود السياسي والمؤسساتي والإهمال يفاقم الأزمة والحل بتشكيل حكومة إنقاذية
مع استمرار انسداد كل الافاق السياسية بشأن تشكيل الحكومة وارتفاع نسبة الازمات الاقتصادية والمعيشية الى درجة غير مسبوقة خصوصا في ظل الحديث عن قرب رفع الدعم لمواد اساسية وحياتية، كان لافتا الاجراءات والتدابير والتعاميم والبيانات التي توالت في الصدور من قبل مصرف لبنان ومن ابرزها البيان المفاجىء الذي اعلن فيه عن اطلاق الية جديدة مع المصارف لتسديد تدريجي للودائع يتم بموجبها دفع مبالغ مقسطة تصل الى 25 الف دولار اميركي بدءا من اخر حزيران، واعتبر المصرف في بيانه ان مبادرته تهدف الى مفاوضة المصارف اللبنانية من اجل تسديد تدريجي للودائع التي كانت قائمة قبل 17 تشرين الاول 2019 وذلك في العملات كافة، لاراحة اللبنانيين ضمن القوانين والاصول التي ترعى عمل مصرف لبنان حسب البيان على خلفية نجاح التعميم 154 والتزام المصارف بمندرجاته، وحول هذا الموضوع سألت «اللواء» كبير الاقتصاديين في مجموعة «بنك بيبلوس» نسيب غبريل عن رأيه بهذه الخطوة فقال: «المبادرة التي اطلقت بالتعاون مع المصارف للبدء في وصول المودعين الى ودائعهم في العملات الاجنبية بمبالغ وفي مهل زمنية محددة وضمن القدرات تساعد على استعادة الثقة في القطاع المالي بلبنان، خصوصا ان اللافت اطلاق هذه المبادرة في ظل غياب تام للسلطة التنفيذية منذ قرابة التسعة اشهر ومن دون بوادر لتشكيل حكومة جديدة، وايضا في غياب خطة اصلاحية شاملة للازمات التي يتخبط بها البلد في ظل عدم عودة قريبة الى المفاوضات مع صندوق النقد الدولي من دون حكومة.
واعتبر غبريل ان اهمية المبادرة هي انها لم تسقط بالمظلة على المصارف مثل ما حصل سابقا في عدد من القرارات والمبادرات، بل انها ستكون حسب ما اوضح البيان من خلال التفاوض مع المصارف التجارية، مشيرا الى ان القرارات حتى الان مبدئية واولية وان التفاصيل ستخضع للمفاوضات ما بين مصرف لبنان والمصارف التجارية ممثلة بجمعية المصارف، لا سيما ان النقطة البديهية الذي تحدث عنها البيان هي ان يكون باستطاعة المصارف السير في هذه المبادرة ومن خلال المفاوضات سيتبين مدى امكانية المصارف للاستجابة لها.
يجب ان يكون لمبادرة المركزي تغطية قانونية
غبريل الذي اكد انه شخصيا تلقف المبادرة بايجابية، كشف ان المصارف لم تكن على علم مسبقا بالبيان الذي صدر عن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة.
مشددا على اهمية ان يكون للمبادرة تغطية قانونية لانه من المفروض ان يكون الامر له ارتباط بموضوع «الكابيتال كونترول» لعلاقة الامر بالسحوبات في الودائع النقدية بالعملات الاجنبية، خصوصا ان قانون «الكابيتال كونترول» يتضمن بند يسمح بالسحوبات النقدية في العملات الاجنبية بمبالغ محددة، اي توحيد المعايير للسحوبات في العملات الاجنبية.
وراى كبير الاقتصاديين اننا في ازمة ثقة عميقة تراكمت منذ اواخر العام 2017، وادت الى هبوط حاد لتدفق رؤوس الاموال الى لبنان منذ ايلول 2019، والى شبه توقف كامل لهذا الامر منذ اذار 2020، منذ ان قررت الحكومة التوقف عن تسديد مستحقاتها على اليوروبوند ولم يوجد اي حل او خطة انقاذية واصلاحية او مفاوضات مع حاملي السندات. مشددا على ضرورة ان يكون هناك وعي لدقة الوضع وقدرات وامكانيات المصارف، خصوصا ان البيان يتحدث عن التعميم 154، والسؤال الذي يطرح من اي يمكن ان تأتي هذه الاموال الذي يتحدث عنها البيان؟ فيقول غبريل: تحليلي هو هل يمكن ان تأتي هذه الاموال من الاحتياطي الالزامي لدى مصرف لبنان والتي هي في النتيجة ودائع الناس؟ لان التعميم 154 ذكر انها ستأتي من السيولة التي فرضها التعميم على المصارف تكوينها 3% من ودائعهم في العملات الاجنبية، مشيرا الى ان الاهم هو معرفة قدرات الناس على تلبية الاحتياجات.
المصارف تطالب منذ اندلاع الازمة بتطبيق «الكابيتال كونترول»
واعلن غبريل ان المصارف التجارية تطالب منذ اندلاع الازمة بتطبيق «الكابيتال كونترول» وبالفعل حصلت مشاورات مع لجنة المال والموازنة التي اعدت هذا القانون وهي اخذت براي جمعية المصارف، فان البند المتعلق بالسحوبات في العملات الاجنبية لم يبن على حسابات رقمية وعلى التكلفة واذا كانت المصارف تستطيع ان تتحمل السيولة التي ستنتج عن هذا الامر، كما اننا نعلم ان السيولة غير متوفرة حاليا في السوق اللبنانية بسبب وقف تدفق رؤوس الاموال وعدم وجود وتطبيق اي خطة اصلاحية والمشكلة ايضا بعدم وجود الثقة. ويتوقع غبريل ان المفاوضات التي ستتم بين مصرف لبنان وجمعية المصارف ستحدد كيفية الاتيان بالاموال وهل ستتوفر من خلال الاحتياطي الالزامي او من خلال تخفيض نسبة هذا الاحتياط، او من 3% التي فرضها التعميم 154، مع العلم اننا لا نعرف كيف ستكون نتائج هذا التعميم الذي اعتبره المصرف المركزي بأنه نجح ولكن لم يصدر شيء رسمي ومفصل عنه.
ضخ العملات الاجنبية يساعد على لجم المضاربة
وحول ارتباط مبادرة سلامة بموضوع رفع الدعم والبطاقة التمويلية يقول غبريل: «هناك الكثير من التكهنات، خصوصا ان البيان مقتضب وليس لدى احد اي معلومات حول ما اذا كان الامر مرتبطا بآلية ترشيد الدعم، ولكن هل وصول المودعين الى جزء من ودائعهم في العملات الاجنبية وضخ الدولارات من قبل المودعين في السوق اللبناني سيكون بديلا للبعض عن البطاقة التمويلية لا اعتقد ذلك، لان هناك عدد من المواطنين لا يملكون حسابات مصرفية، لذلك لا يمكن القول بان ذلك هو خدعة من مصرف لبنان لرفع الدعم، ولكن في حال نجحت المبادرة سيتم ضخ عملات اجنبية في السوق اللبناني وهذا الامر يساعد على لجم المضاربة من قبل المضاربين في السوق السوداء على الليرة اللبنانية الذين هم يحركون السوق، داعيا الى انتظار تفاصيل ونتائج مفاوضات مصرف لبنان مع جمعية المصارف.
وحول ما اذا كان للمودع ثقة لاعادة ضخ العملات الاجنبية التي سيحصل عليها من المصارف في السوق يجيب غبريل: «ربما سيدفع المودع بالعملات الاجنبية لشراء بعض الاشياء المسعرة في هذه العملات، او ربما يصرفها حسب سعر الصرف ويدفع فيها باللبناني وبالحالتين يكون هناك عرض للدولارات في السوق».
الاولوية هي للانقاذ الاقتصادي والاجتماعي والمعيشي
وعن كيفية الخروج من الازمة الاقتصادية يقول غبريل: «ان الجمود السياسي والمؤسساتي واللامبالاة والاهمال يفاقم التكلفة المتزايدة على المواطن اللبناني، والحل معروف وهو بتشكيل حكومة يكون لها مصداقية محلية وخارجية ووضع خطة انقاذية شاملة تتضمن اعادة هيكلة للقطاع العام وتصحيح الاختلالات في المالية العامة ومكافحة التهرب الضريبي والتهريب وتفعيل الجباية ومعالجة الاوضاع النقدية والمصرفية والاجتماعية وتوحيد اسعار فرق الدولار في السوق اللبناني والذهاب في هذه الخطة الى طاولة المحادثات مع صندوق النقد الدولي بنية الوصول جديا الى اتفاق تمويلي اصلاحي مع صندوق النقد».
وختم قائلا: «ما نراه اليوم من مزايدات ان كان في موضع الاحتياط الالزامي او في موضوع ترشيد الدعم او رفع الدعم، بداية مقنعة للحملة الانتخابية النيابية التي من المقرر ان تجري في السنة المقبلة، مع العلم ان الاولوية المطلقة اليوم يجب ان تكون للانقاذ الاقتصادي والاجتماعي والمعيشي».