Site icon IMLebanon

تقاذف المسؤوليات مستمرّ: السياسيون يرفضون تنظيم «الكابيتال كونترول»

 

 

«القيود على رأس المال» فرضتها المصارف بحكم الأمر الواقع، وتنصّل رياض سلامة من مسؤولياته. وقع الأمر من دون إنذار المودعين مُسبقاً وتحديد معايير تقييد الإيداع والسحب. فلماذا تُعارض القوى السياسية الرئيسية في لبنان تشريع «الكابيتال كونترول»، وحماية صغار المودعين، خاصة أنّ بلداناً عديدة تلجأ إلى هذه «الوسيلة» لفترة محددة حفاظاً على الاقتصاد؟

 

الفلتان هو الأمر الوحيد المُنَظَّم في البلد. تُنظّمه القوى السياسية الرئيسية، هرباً من الاعتراف بأنّ النموذج الاقتصادي الحالي قد سقط. فأمام لحظة الانهيار التاريخية هذه، لا تجد الأحزاب الحاكمة من إجراءات تتّخذها سوى مُسكنات العشرين سنة ماضية. ما هو مُخطّطها لمواجهة القيود على عمليات السحب والتحويل التي تفرضها المصارف، خلافاً لأي مستند شرعي؟ «تشكيل حكومة توحي بالثقة». وجود سلطة تنفيذية أمر أساسي، المشكلة أنّه منذ الـ2011، سنة بدء أزمة تراجع التحويلات، لم تُقدِم السلطة سوى على تشكيل حكومات تتلهى بتعيينات محاصصة من ناحية، ومزايدات سياسية من ناحية أخرى، وتقاذف للمسؤوليات في كلّ الأحيان.

 

والآن يُطلب ممّن تسبّب في الأزمة أن يضع حلّاً «توافقياً»، يستند بشكل أساسي إلى وجود حكومة جديدة. لماذا؟ لأنّ واحداً من رهانات القوى السياسية يكمن في استمالة «ثقة المجتمع الدولي» للاستدانة أكثر فأكثر.

يوم الأربعاء، كان من المفترض أن يتقدّم النائب ميشال الضاهر باقتراح قانون يُجيز لحاكم المصرف المركزي فرض «ضوابط على رأس المال»، حين يجد داعياً له. ولكن عوض أن يعقد مؤتمراً صحافياً يشرح فيه تفاصيل اقتراحه والظروف التي توجب فرض «الكابيتال كونترول»، اعتذر الضاهر عن عدم تقديم اقتراح القانون بعد أن «تمنّى» عليه رئيس مجلس النواب نبيه برّي ذلك، بانتظار «التوافق السياسي». فيُنقل عن الأخير قوله إنّ 13 مليار دولار أُخرجت من البلد في الفترة الأخيرة، مطالباً بإعادتها أولاً. وتُضيف مصادر حركة أمل سائلةً: «هل الأولوية لهندسة السقوط أم تشكيل حكومة تمنعه؟». لا يبدو السؤال مترابطاً مع الواقع. فبعيداً عن محاولات بثّ الآمال الكاذبة، الانهيار حصل. والأولوية يجب أن تكون لإجراءات تضع حدّاً لهذا التراجع. تُعلّق مصادر «أمل» بأنّه حتى لو أُقِرّ القانون «فسنكون بحاجة إلى وجود حكومة، وهنا الأساس».

 

يقول اقتصاديّ مطّلع على رأي حزب الله إنّه «لا مفرّ من الكابيتال كونترول المُنظّم» (هيثم الموسوي)

 

ليست المرة الأولى التي يُعارض فيها برّي تشريع «الكابيتال كونترول». يوم زاره رئيس جمعية المصارف سليم صفير، طالباً تشريع قانون للقيام بإجراءات تقييد التحويل والسحب، عارض رئيس المجلس ذلك. موقفٌ لا ينفرد به، بل يتشاركه مع كلّ القوى السياسية الفاعلة، حتى ولو خرجت منها شخصيات تُعبّر عن موقف مُختلف. نائب «تكتل التنمية والتحرير» ياسين جابر، نموذجاً. يقول في اتصال مع «الأخبار» إنّه بصفة شخصية «مؤيّد لإقرار قانون للكابيتال كونترول، على أن يكون ضمن خطة ويُتفق على الخطوات اللاحقة. فنحن بحاجة إلى عملية تنظيمية». يتحدّث الرجل عن «القلة من المودعين التي تُسيطر على أكثرية الإيداعات، ووجود هلع في السوق، ما يستوجب ضمان كلّ الناس عبر منظومة حماية متكاملة». المشكلة بالنسبة إلى جابر «غياب القيادة، هناك تدابير يجب أن تُتّخذ، ولكن لا أحد يريد تحمّل المسؤولية. كان رأيي أن نُفكر في حلول من خارج الصندوق، فهناك اقتصاد يموت واستنسابية في التحويلات، لا يُمكن أن نستمر في خنق البلد هكذا». ماذا عمّن يعتبر تشكيل الحكومة حلّاً؟ يُجيب جابر بأنّ الأخيرة «تُحسّن النفسية ولا تُعالج الأزمة»، مع إشارته إلى أنّ «السلطة التنفيذية هي المُلزمة بالمبادرة».

طلب تشكيل حكومة «وقيام دولة» يُعبّر عنه أيضاً عضو «كتلة الوسطية» النائب نقولا نحاس، «ليس لدينا موانع على شيء، ولكننا ضدّ التجزئة. هل نُقرّر علاجاً لمرض واحد أم شامل؟». هي مقدمة لرفض تشريع «الكابيتال كونترول» وتركه عرضة لأهواء أصحاب المصالح. إلا أنّ نحاس يوضح أنّ «المشكلة أكبر من ذلك بكثير. الأموال ذهبت، والناس خسرت قيمتها، والمصارف انتهت… يجب أن نوقف انهيار قيمة العملة. معقول أنّ اقتصاديين غربيين يعملون في مؤسسات أجنبية وضعوا سيناريوات للحلّ مدروسة ونحن لم نفعل شيئاً؟ نريد دولة وحكومة توحي بالثقة».

المقاربات المختلفة موجودة أيضاً داخل القوات اللبنانية. الموقف الرسمي، الذي يُعبّر عنه أحد النواب، أنّ قيادة معراب «مع إنعاش الاقتصاد. كلّ القوانين، من كابيتال كونترول ومكافحة الفساد، للملمة الوضع لا تُفيد. نحن بحاجة إلى إجراءات جذرية: تشكيل حكومة مستقلين، وخطة طوارئ اقتصادية». يُدرك النائب القواتي أنّ «الضوابط مفروضة، ويتم تهريب أموال لا نعرف حجمها. غير مسموح بأن يستمر النظام المصرفي مُتفلتاً من أي قيود أو قانون بحجة أنّه يُقرِض الدولة». لماذا تُعارضون إذاً تنظيم الموضوع قانونياً؟ «لأنّه لا يُمكن أن نُجمّد جنى عمر إنسان ونُقيّد تحويلاته». ولكن المصارف لا تُطبّق إجراءاتها على الجميع، بل تستثني منها ودائع المُساهمين فيها والعملاء المحظيين، ومن يُعاني من الوضع غير الاستثنائي هم صغار المودعين وممّن لا يملكون موارد بديلة. الردّ القواتي هو أنّ «من هرّب أمواله قام بذلك وانتهى. نريد إجراءات مختلفة: تشكيل حكومة». الرأي المختلف يُعبّر عنه الوزير كميل بو سليمان. صحيحٌ أنّه مستقل، متحالف مع «القوات»، ولكنّه من الذين يستمع إليهم سمير جعجع في الملف الاقتصادي والقانوني: «موقفي كقانوني أنّه توجد ثلاثة أسباب تُحتّم شرعنة الكابيتال كونترول: توفير تغطية قانونية لحماية صغار المودعين، المساواة وعدم الاستنسابية بين المودعين، وأن لا تكون الأموال الجديدة التي ستدخل إلى البلد خاضعة للقيود الحالية ويكون المودع قادراً على سحبها متى أراد». ويوضح بو سليمان لـ«الأخبار» أنّ «القيود موجودة من دون تنظيم أو معايير واضحة ومعلنة. ما السلطة التي تملكها جمعية المصارف لتُقرّر هي؟». ويعتبر أنّ عدم إقرار قانون أو إطار شرعي للقيود، سببه أنّ «أحداً لا يريد أن يتحمّل المسؤولية». هل تكون عملية «قص الشعر» (حسم نسبة من الودائع والديون) الخطوة التالية بعد الضوابط على رأس المال؟ يُجيب بو سليمان أنّ «من المبكر أن نتحدّث عن Hair cut حالياً، قبل أن نعرف ما هو الوضع المالي العام للبنك المركزي، وتحديد إيرادات الدولة».

 

الأولوية لدى التيار العوني هي لكيفية الاستفادة من الوضع الحالي لخفض الفوائد

 

 

الوضع مختلف لدى التيار الوطني الحرّ؛ فرغم أنّ مقدّم اقتراح قانون الضوابط على رأس المال ينتمي إلى «تكتل لبنان القوي»، إلا أنّ الحزب لم «يحدّد موقفاً، لا سلبياً ولا إيجابياً، من الكابيتال كونترول». الأولوية في ميرنا الشالوحي لنقطة أخرى، «وهي كيفية الاستفادة من الوضع الحالي لخفض الفوائد إلى الحدود الدنيا». تيار المستقبل أيضاً «لا موقف لديه من الموضوع، وأصلاً لم تتم مناقشته بإسهاب»، يقول المستشار الاقتصادي لرئيس الحكومة، نديم المنلا. ولكن، «كاقتصادي، أجد أنّ أي إجراء يجب أن يكون ضمن خطة متكاملة». يُقدّم المنلا وجهتَي النظر في البلد، «الأولى التي تعتبر أنّ من الأفضل وضع قانون لحماية صغار المودعين، ووجهة النظر الثانية أنّه بعد الخروج من الأزمة، وجود قانون لضبط حركة رأس المال يؤذينا ويضرب الثقة بالقطاع المصرفي». ليس بعيداً عن ذلك، يُقدّم النائب جميل السيّد وجهة نظره، «حين تحدّث رياض سلامة إلى الـ«سي أن أن»، كان من يريد أن يُهرّب أمواله قد هرّبها». يُخبر بأنّ «الكابيتال كونترول عملياً يُنفّذ كنتيجة للسياسات النقدية والفساد في الدولة. هي ضوابط غير خاضعة لأي قانون». على الرغم من ذلك، «سنّ القانون يتسبّب في هلع أكبر في الأسواق الخارجية، ولا نعود نستقطب الودائع. الضوابط غير المُقوننة تصبّ في صلاحيات حاكم المركزي لتمرير مرحلة قبل أن تعود الحكومة إلى العمل».

ماذا عن حزب الله؟ لا يريد الحزب الذي كان قبل الانتفاضة في 17 تشرين الأول يعمل على مسودة «رؤية اقتصادية»، اتخاذ موقف من «الكابيتال كونترول»، ربما لوجود «إجماع» سياسي على رفضه لأسباب تراوح بين عدم الإلمام اقتصادياً بالطرح، وبين من هو حريص على استمرار «الكِبار» في تهريب «رأسمالهم» إلى الخارج، مقابل تقييد العمليات المالية لباقي المودعين. يقول أحد الاقتصاديين المطلعين على رأي الحزب إنّه «لا مفرّ من الكابيتال كونترول المُنظّم، لأنّه يُخفّف من حدّة الأوجاع على الناس، التي يتركها الكابيتال كونترول غير المُنظّم». السؤال هو إن «كنا بحاجة إلى قانون؟ كلا، بسبب الرأي القائل بأنّ ذلك سيترك تأثيراً طويل الأمد على القطاع المصرفي، ولأنّه يجب أن يترافق مع سلّة إجراءات». ما يُمكن الركون إليه «هو أن يُقرّ المصرف المركزي تدبيراً يُحدد فيه أصول التحويلات إلى الخارج، والقيود المفروضة، فلا تبقى عشوائية». من المستبعد، بحسب الاقتصادي، أن يحصل ذلك، «لأنّ لا المصرف ولا السياسيون يريدون تحمّل المسؤولية، فرموها على عاتق المصارف».