لبنان بين مطرقة كورونا والضغط الأميركي وعجز الدول المانحة عن دعمه مالياً
يقبع لبنان بين سندان اعباء وباء كورونا المالية والمعيشية، وبين ومطرقة تعذر الحصول على مساعدات مالية واقتصادية دولية عاجلة – باستثناء بعض الهبات التي قدمتها الصين وفرنسا لمواجهة كورونا – اما على صعيد الدعم للنهوض الاقتصادي فهو امر بات مستبعداً في الفترة الحالية القريبة المدى وربما الابعد، نتيجة انشغال العالم ايضا بمواجهة الوباء الذي كلف الاقتصادات العالمية المليارات.
يُضاف الى ذلك، العقوبات الاقتصادية الاميركية التي تُكبّل بعض قطاعات لبنان وحركة التحويلات المالية، التي كانت سبباً من اسباب الراحة الاقتصادية والمعيشية لآلاف العائلات، فيما تفرض الادارة الاميركية المتحكمة باقتصاديات معظم العالم شروطا سياسية على هذه الدولة او تلك ما لم تستجب لطلباتها وتوجهاتها السياسية، ومنها لبنان الذي تطالبه بالحياد بينما هي تفرض عليه عمليا الالتحاق بسياستها الشرق اوسطية والاقليمية.
ومن الشواهد على هذا الضغط الاميركي ما حصل في مسألة العميل الاسرائيلي عامر الفاخوري الذي ضغطت اميركا لإطلاقه بكل انواع الضغوط السياسية والاقتصادية، ومنها ما تردد عن وقف كل اشكال المساعدات للبنان، برغم ما قيل عن «صفقة ما» سياسية وامنية مررت اطلاق سراحه وتهريبه خارج لبنان.
وفي هذا السياق، سُئل نائب في كتلة معارضة وازنة عمّا يمكن ان تقدمه الدول المانحة للبنان، المحتاج فوراً الى 5 مليارات دولار في ظل الازمة الاقتصادية اللاحقة بهذه الدول جرّاء وباء كورونا؟ فقال: حتى لو يكن هناك كورونا، لن نحصل على 5 آلاف دولار ما لم يتغير الموقف السياسي اللبناني الى الحياد الكلي والفعلي، واذا بقي النهج القائم حالياً حيال العلاقات مع العرب.
وفيما تتابع الحكومة حاليا معالجة الازمة المالية والاقتصادية ومسار التفاوض مع الدائنين عبر الاستشاريين المالي والقانوني، وتنتظر مزيداً من الاجابات حول شروط التفاوض والمهل المرتبطة به، تسعى الحكومة خلال جلسة مجلس الوزراء اليوم، عبر مشروع قانون الكابيتال كونترول الى توفير المزيد من السيولة لها وللمصارف والحد من التحويلات للخارج او تقييدها، وهو المشروع الذي لاقى الكثير من الملاحظات من قبل الوزراء.
وعلمت «اللواء» من مصادر رسمية ان رئيس الحكومة حسان دياب اعترض مع غيره من الوزراء على منح مصرف لبنان حق اتخاذ القرار بموضوع تقييد التحويلات وتحديد وجهتها، وطالب بحصره بيد الحكومة، كما ان بعض الوزراء اعترض على مهلة القانون وطلبوا ان تكون سنة بدل ثلاث سنوات. وثمة اسئلة وملاحظات ايضا حول كيفية صرف الاموال وقيد الحسابات… وملاحظات اخرى تحفظت المصادر الرسمية عن ذكرها.
المجلس ينتظر مشروع الحكومة لتحديد جلسة تشريعية رغم الحجر الصحي
واوضحت المصادر ان جلسة مجلس الوزرء اليوم ستناقش كل تفاصيل مشروع القانون وقد تصل الى إقراره بالتوافق او بالتصويت، وقد تُرجئ البحث به الى جلسة لاحقة. فيما المجلس النيابي يترقب انجاز المشروع لإدراجه على جدول اعمال اول جلسة تشريعية يعقدها بعد فك الحجر الصحي المفروض عليه وعلى سائر البلاد والعباد.
وذكرت مصادر نيابية مطلعة على ما يُحضّر له المجلس: ان هيئة مكتب المجلس تنتظر قرار الحكومة لدرس مشروع قانون الكابيتال كونترول لأنه قانون مهم ويطال اغلب شرائح المجتمع اللبناني ويرتبط بحركة الاقتصاد، الى جانب اهتمام المجلس بمشاريع القوانين الاخرى التي ستيحلها الحكومة والمرتبطة بخطة النهوض الاقتصادي والمالي، وببرنامج الاصلاح الاداري وقانون التهرب الضريبي وسواها من قوانين ترتبط بالوضعين المالي والاقتصادي.
وعلى هذا تبقى معرفة اتجاهات الكتل النيابية في التعاطي مع مشروع قانون كابيتال كونترول، وهل سيمر بسلاسة في المجلس او تحصل عليه تعديلات، وسط مؤشرات تفيد ان اغلب الكتل ستعارض المس بودائع صغار ومتوسطي المودعين، لا سيما وان مجموعات الحراك الشعبي ستكون بالمرصاد للنواب وللحكومة في حال الاخلال بما تعهدوا به من حمايتهم من ابتلاع جنى اعمارهم وتعويضاتهم المودعة في المصارف. عدا الاعتراض على منح مصرف لبنان اية صلاحيات استثنائية للتصرف بأموال المودعين وبخاصة اذا كانت مهلة اجراءات قانون الكابيتال كونترول ستمتد لثلاث سنوات.
وتقول مصادر نيابية في «الثنائي الشيعي» اننا كنا عند طرح مشروع الكابيتال كونترول منذ شهرين من المعارضين له بالمطلق، بعدما إطلعنا على اول مسودة وضِعت له، لكن بعد حصول تعديلات واسعة عليه شاركت فيها بعض الكتل النيابية عبر مراكز الدراسات فيها، سننتظر وصول المشروع بصيغته النهائية الى ساحة النجمة لنقوم بتشريحه، ما لم يصلنا قبل إحالته الى المجلس. كما ان الكتل النيابية تتابع عن قرب كل ما له علاقة بالمشاريع والاقتراحات المالية والنقدية لتقريرالموقف بشأنها عندما يحين وقت النقاش فيها.
خلاصة القول، ان لبنان يقف الان على حد السكين القاتل، والرهان كما تقول المصادر النيابية على إنجاز المشاريع الحكومية الانقاذية المالية والاقتصادية وهي كثيرة، لكن المؤسف انها تحتاج الى وقت غير معلوم بين اشهر وسنة. فهل بمقدور لبنان ان ينتظر بعد على حد السكين، ام يقع وحيداً ويقف العالم متفرجاً على انتحاره بيده، نتيجة الأداء الكارثي للحكومات المتعاقبة طيلة سنوات، والتي تبرأت مما فعلته يداها؟