لا خطّة واضحة عند الحكومة ولا عند “المركزي“
في وقت تسعى فيه غالبية دول العالم الى تخفيف الأعباء عن مواطنيها بُعَيد الازمة الكورونيّة من خلال خفض الضرائب وتقديم معونات وتحفيزات مالية، تعمل الحكومة اللبنانية التي قيل عنها إنقاذيّة على إقرار قانون الـ capital control لقضم ما تبقى من أموال لدى المواطنين عموماً والمودعين خصوصاً. بذلك، سيشكّل القانون، لدى إقراره، أكبر هرطقة دستورية لافتقاره الى خطة استراتيجية حول استعمال السيولة، كما ولنسفه معالم الاقتصاد الحرّ الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة، من دون أن يكون هناك بديل مبنيّ على أنقاض وبقايا هذا النموذج القائم، منذ تاريخ إضافة المقدمة الى الدستور اللبناني بموجب القانون الدستوري الصادر في 21/09/1990، حينما كُفلت حرّيّة النظام الاقتصادي(حتى ولو لم تكن هذه الحرّية مطلقة).
من حيث المبدأ، يُقرّ الـ Capital Control من ضمن خطة إنقاذية شاملة تتم بإشراف صندوق النقد الدولي، ويكون القانون المستجدّ من ضمن شروط إصلاحية واضحة الأطر تطمئن مواده الناس الى مصير ودائعهم، كما وتعطي ضمانات حول مستقبل السيولة لا بل النظام المصرفي ككل. إلا ان هذا الامر بات صعب المنال لا سيما بعدما أعلن رئيس جمعيّة المصارف سليم صفير عبر صفحته على “تويتر” منذ بضعة أيام، عن أن “السندات الحكومية بالعملات الأجنبية لدى المصارف كانت المصدر الوحيد للحصول على النقد الأجنبي فيما يواجه القطاع شحّاً بالسيولة”، مؤكداً أنّ “المصارف في لبنان استهلكت كل ودائعها لدى المصارف المراسلة وكانت بالتالي مجبرة على بيع سنداتها”. عمليّاً، يشير كلام صفير إلى أنّ حسابات المصارف اللبنانية لدى نظيراتها المراسلة “مكشوفة”، من هنا يبقى الصراع بين الحكومة وحاكميّة مصرف لبنان على الصلاحيات وشدّ الحبال في ما بينهما وسيلة لخنق المودعين.
الحكومة تقرّر والمركزي ينفّذ
لم يتوصّل مجلس الوزراء في جلسة الخميس إلى الاتفاق على قانون “تنظيم ووضع ضوابط استثنائية موقتة على بعض العمليات المصرفية” أي قانون الكابيتال كونترول، الذي يهدف مشروعه الى الحدّ من تحويل الأموال إلى الخارج وتقييد السحوبات النقدية بالعملات الأجنبية من المصارف. بذلك تكون الحكومة قد ناقشت الصيغة الرابعة لمشروع القانون لكن لم يتمّ الاتفاق عليه بعد وتمّ تأجيله إلى الأسبوع المقبل، على أن ترسل ملاحظات الوزراء الى وزير المال الذي سيعيد صياغة المشروع مرّة أخرى.
تنطلق الاعتراضات الأساسية التي أدت إلى رفض الصيغة الأولى التي وضعها مصرف لبنان بطلب من حاكمه بإعطائه صلاحية تحديد شروط تنفيذ هذا القانون بالتنسيق مع جمعية المصارف، لجهة وضع حدود وسقوف السحوبات والتحويلات إلى الخارج.
أما الصيغة الأخيرة فشهدت بدورها موجة اعتراضات بعد تدخّل رئيس الحكومة حسّان دياب كما وقوبلت بالرفض من جانب رئيس مجلس النواب نبيه برّي، لتقضي الصيغة التي يُعمل عليها بإعطاء مصرف لبنان صلاحية اصدار تعاميم بعد اقتراح وزير المال وموافقة مجلس الوزراء لتحديد طريقة تطبيق القانون، أي تحديد سقوف السحوبات والتحاويل الى الخارج. ذلك يعني أن الحكومة تقرر ومصرف لبنان ينفّذ.
عمليّاً، يدلّ ذلك على أن مشروع القانون ليس مبنياً على سياسة مالية، ولا يصب في خانة الاقتصاد الكلّي لتكون النتيجة الاستيلاء على أموال الناس بحكم القانون وتشريع التدابير الاستنسابية المتخذة منذ تشرين الاول 2019.
شوائب الصلاحيات
تشوب المشروع مشكلتان اثنتان، تكمن الاولى في ظنّ المواطنين أنهم وبمجرد صدور القانون سيتمكنون من سحب أموالهم من المصارف بالدولار، في حين أن هذا التفكير خاطئ بما أنّ مشروع القانون هذا يأتي في إطار المحاولة لسدّ فجوة تُقدّر بـ50 مليار دولار، هي في الواقع أموال المودعين المُبخّرة من النظام المصرفي والتي لا يمكن للمودعين استعادتها الا من خلال ردم هذه الفجوة.
أما الثانية والاهم بحسب عدد من المتابعين فهي في الخلاف السياسي والتنازع على الصلاحيات وعما ان كانت حاكمية مصرف لبنان ستزخر بهذا الامتياز، وسط اعلان رئيس جمعية المصارف سليم صفير مراراً عن انه “من الأفضل الا يتدخل السياسيون في العمل المصرفي وليكن ذلك من مسؤولية البنك المركزي وليس السياسيين”. بحسب الخبراء، ليس المهم اليوم، في حال اقرار قانون كهذا، الوجهة التي ستصب فيها الصلاحيات في نهاية المطاف، بل تأمين الدولارات وهو ما تعجز عن تحقيقه الحكومة مجتمعة ومعها البنك المركزي.
أرصدة اللبنانيين في خطر
بموازاة ذلك تُثير إمكانية إستخدام أموال المودعين لإنقاذ المصارف المتضررة عبر تحويل جزء من الودائع إلى أسهم، موجة تخوّف في أوساط المودعين لناحية عدم شفافية الـ Bail In، فهم يجهلون تماماً ما اذا كان بوسعهم التصرف بهذه الاسهم، وذلك الى جانب عدم رغبتهم في الاستثمار بقطاع مفلس. من الضروري في هذا الاطار، الحرص على عدم تحويل الضوابط المالية الداخلية الى Haircut بما أنّ هذا الاجراء يرتبط مباشرة بإعادة هيكلة ديون المصارف، كما ويجب التأكد ان تكون هذه الضوابط عادلة وأن ترتكز على دراسة للأثر المالي، وهو ما لم يتحقق حتى الساعة. من هنا، فإنّ فرض قانون Capital Control من دون ضخّ حدّ ادنى من السيولة سيشكل بلا شك كارثة اقتصادية تضاف الى سلسلة المصائب وآخرها إقرار الـ “haircut” على الودائع المصرفية ولكن تحت مسميات مختلفة.
يعتبر هذا النوع من القوانين ظرفياً وليس بالتالي بنيوياً ويقتضي بالتالي ان يسري لفترة زمنية محدودة، وأن يكون مربوطاً بشرط اجراء إعادة هيكلة للدين العام وللقطاع المصرفي وبإصلاحات بنيوية جدية وسريعة تعيد الانتظام للحياة المالية في لبنان، وهو ما يعتبر صعب التحقيق أقله خلال الازمة الكورونية وفي ظلّ غياب إشراف ومراقبة صندوق النقد الدولي، الذي يشكل وحده الضمانة لأموال المودعين وحقوقهم.