قال قضاء جبيل، في الانتخابات البلدية والاختيارية، أمس «لا للأحزاب»، على اختلافها وتنوّع زعاماتها ولوائحها. إذ لم يتوجّه الناخب الجبيلي بدافع سياسي أو حزبي، بل عاد لـ «القبلية» لاختيار من يناسبه. فخلع القضاء ثوب المحاسبة ليدخل في زواريب الحسابات الضيّقة التي جعلت التشطيب سيّد المواقف.
ومن البحر إلى الجبل، لم يتمّ تشكيل أي لائحة على أساس برنامج انتخابي إنمائي واضح. لا بل اجتمعت اللوائح المتنافسة على برامج شبه موحدة، ما أكّد أن لا تغيير في ذهنية الترشّح وبالتالي العمل. حصرت اللوائح نفسها بشقّ الطرق وبناء جدران الدعم والإنارة، وفي أحسن الأحوال إنشاء المستوصفات والملاعب. والمضحك أن بعضها لم يتبنّ أي برنامج، خصوصاً تلك التي بقيت برئاسة رؤساء المجالس الحالية.
ومن البحر إلى الجبل، قلّما تراجع رئيس بلدية عن الترشّح لولاية جديدة، لا بل شهدت غالبية البلدات والقرى مواجهات بين «القديم» والجديد»، من دون أن يخرج أي منهما عن حسابات العائلية والأجباب الضيّقة. وأكثر، انكفأت النخب عن ترشيح نفسها، وما بان منها إلّا القليل القليل. وقد اضطرّ من خاض غمار المعركة منها، إلى الانصهار في لوائح غير متكافئة لناحية الخبرات والاختصاصات والإنماء. ومن المؤسف أنه في معظم البلدات والقرى كان أصحاب رؤوس الأموال محرّكي المعارك، سواء من خلال الترشّح أو من خلال دعم مرشّحين، وكانوا أصحاب الحظوظ بالأصوات.
خلال الجولة على القضاء بدت الصورة كما هي منذ ست سنوات، الطرق نفسها، الجدران نفسها، حتى الانهيارات نفسها. وما حلّ جديداً إلا بعض الأشغال غير المكتملة هنا وهناك، والتي زادت من ازدحام السير. وكان لافتاً الحديث المكثف عن المال السياسي وكميّة الرشى التي لجأ إليها المرشّحون لشراء الأصوات. وهو، إن كان مجرد شائعات، يبرهن عن مدى تراجع مستوى المرشحين. أما إذا كان حقيقة، فهو يدلّ على تراجع مستوى الناخبين.
ومن الملاحظات النافرة أيضاً، عدم التصويت تبعاً للانتماء السياسي، إلّا في أحيان قليلة حيث اضطر الناخبون للالتزام بلائحة دون أخرى. فلم يتمكّن «التيار الوطني الحرّ» و «القوّات اللبنانية» من فرض مرشّحيهما على محازبيهما ومناصريهما. حتى أن التيار دفع في بعض المناطق ثمن انتخاباته الداخلية. كما لم يجد مناصرو «حزب الله» و «حركة أمل» أنفسهم مضطرين إلى الالتزام بـ «التكليف الشرعي» على غرار المحازبين، فغرّدوا خارج السرب في بلدات وقرى شيعية مختلفة، مثل علمات.
وقدّ أدّى تراجع التصويت الحزبي لمصلحة العائلي إلى خلط الأوراق بالنسبة للمرشحين، فبدوا مربكين حتى ساعات متقدّمة من النهار. مع هذا ظهر أعضاء لائحة «إنماء بجّه» برئاسة المهندس طوني أبي عقل وأكرم خوري أكثر ارتياحاً، تماماً كما بدت المعركة أكثر سهولة بالنسبة للائحة رئيس البلدية الدكتور طوني عيسى في عمشيت، ولائحة شارل باسيل في حالات. كما بانت متقدّمة لائحة «بلاط الغد» برئاسة أندره القصيفي وعبدو العتيق في بلاط.
معارك جبيل المدينة
على الرغم من وجود لائحة بلدية واحدة في مدينة جبيل هي «جبيل أحلى» برئاسة الرئيس الحالي زياد الحوّاط، تواجهها مرشّحة واحدة باسم «مواطنون ومواطنات في دولة» هي كلود مارجي، مع حظوظ ضئيلة بالفوز، لم تسلم المدينة من المعركة، ولم تنعم برفاهية التزكية.
صحيح أن حوّاط حاول جذب الناخبين إلى أقلام الاقتراع لتثبيت «زعامته» في المدينة والقضاء، إلّا أن المحرّك الأساسي للمعركة كان 15 مرشحاً تنافسوا على ست مقاعد اختيارية، وترشّح مارجي. إذ من المعروف أن في جبيل المدينة، التي هي أشبه بقرية، أن تربط العائلية أو الصداقة أو الجيرة كل ناخب بمرشحين اختياريين أو ثلاثة على الأقل. لا بدّ أن يجذبوه إلى قلم الاقتراع. بينما استفزّ ترشّح مارجي عدداً من أنصار حوّاط، فشنوا حملة عليها وشدّوا الهمة للتصويت بكثافة للتجديد لرئيس البلدية ولائحته. لهذه الأسباب قاربت نسبة التصويت في جبيل المدينة الستين في المئة.
أمس صافح حوّاط مرجي مؤكداً الحرية والديموقراطية في الترشّح والانتخاب، لكنّ السلام الذي نالته من رئيس اللائحة لم يشابهه سلام من عدد من أنصاره. فهم شنّوا عليها حملة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وفي التصريحات قبل يومين من المعركة، معتبرين أن لا حقّ لها بالترشّح.. كان يمكن أن يتجاهلوها ويحاربوها بالتصويت، قال بعض من مؤيديه مؤكدين أن تلك الممارسات لا تصبّ لمصلحة «الريّس».
فعلياً لم يبدّل حوّاط أكثر من اسمين أو ثلاثة من لائحته، فبقي على المجلس نفسه تقريباً مراعياً العائلية والحزبية، باستثناء «التيار الوطني الحرّ» الذي لم يصل معه إلى توافق. وقد قاطع الحزب المعركة الجبيلية ترشحاً، لتتوزّع أصوات محازبيه ومناصريه على مرشحي المقاعد الاختيارية. ومن خلال سير المعركة، بدا جليّاً أن أصواتهم لم تصبّ بكثافة لمصلحة مارجي التي تحمل بطاقة التيّار.
في المقابل، عاش مرشحو المقاعد الاختيارية يوماً صعباً في جبيل على وقع الشائعات والتكهّنات، والأهم انكفاء عدد كبير من الناخبين عن التصويت لستة منهم خوفاً على حظوظ المفضّلين لديهم.
وفي حصيلة اليوم الانتخابي الجبيلي، يبدو جليّاً أن لوائح القضاء في معظمها لن تحاكي التطوّر والإنماء، لأن معظمها لم يشكّل على أساس الخبرات والبرامج الانتخابية الإنمائية. أما الناخب الجبيلي، الذي كان دائماً ناخباً محاسباً بقوّة وشراسة، بدا وكأنه يتخلّى عن هذا الدور.
الإكليروس يحرّك معركة جبيل
مرّة جديدة تدّخل الإكليروس في معركة مدينة جبيل. وقد تردّد عند تشكيل رئيس البلدية الحالي زياد حوّاط للائحته، أن راهبين تدخّلا كوسيطين بينه وبين ممثلي «التيار الوطني الحرّ»، الا أن الوساطة باءت بالفشل.
وقبل يوم من الانتخاب وجّه أحدهما لومه للمرشحة كلود مرجي كونها ساهمت في قيام معركة في جبيل، بدل تزكية مجلسها البلدي.