لا هي معركة «كسر عظم» حتى الآن، ولا «على المنخار»، ولا ينبئ الأفق بأجواء توافقية. فالاستحقاق البلدي يقترب، وبلدة دير القمر في وضعٍ يصعب توصيفه، في الظاهر مرحلة ضبابية لا ترشيحات فعلية رسمية، أمّا خلف الكواليس فأسماء تُطرَح، وحسابات تُدرس، وشروط تُفرض، لا سيّما وأنّ تجربة المجلس البلدي الأخير لم تكن مشجّعة.
«يا ريت عِندن لهفة ع الشغل، مِتل ما عِندن لهفة ليترشّحوا»، «بتروح صيفية وبتجي صيفية وما من نشاط، بتروح بلدية بتجي بلدية، ومسمار ما بيندَق».
عبارات تختصر نقمة أهالي دير القمر العارمة، على مختلف اصطفافاتهم السياسية، إذ يحزّ في قلوبهم أن يروا «عاصمة الأمراء»، كأميرة يُنزَع منها التاج، وتُسحَب من تحت أقدامها السجّادة الحمراء، بعدما كانت تتباهى بتاريخها وعراقة رجالاتها، خصوصاً أنّها البلدة الأولى في لبنان والعالم العربي التي أنشِئت فيها بلدية، منذ العام 1864.
ولكن في السنوات الخمس الأخيرة والجمود يَسكنها، لا مهرجانات صيفية أو أنشطة سياحية، لا مشاريع إنمائية… وفي الشتاء معظم المقيمين فيها من المسنّين، ولولا الحركة الطالبية التي تخلقها الجامعات والمدارس لكانت الحياة شِبه معدومة.
وما زاد الطين بلّة الخلافات التي عمّت مجلسَها البلدي منذ نحو عامين وعلى إثرها حُلَّ، وباتت تُدير الأعمال قائمّقام الشوف مرلين قهوجي. وفي هذا الإطار، يقول أحد أعضاء البلدية، الذين قدّموا استقالتهم، «ربّما لو لم ينحلّ المجلس البلدي لكانت البلدة تَضرّرَت أكثر نتيجة التجاوزات التي كادت تُرتكَب، فعلى سبيل المثال، قطعة أرض يُسمح فيها بناء طابقَين، بعضهم سعى إلى أكثر، فتمّ تدارُك الأمور في نهاية المطاف».
«نفضة مِن فجّ وغميق»
كلّ من يتجوّل في دير القمر، وتحديداً من المنشية إلى ساحة الشهيد داني شمعون مروراً بـ»الشالوط»، ويتأمل طرقات البلدة الداخلية، يلاحظ كم أنّها بحاجة إلى «نفضة مِن فجّ وغميق»، سواء لإعادة النظر في تنشيط سوقها الذي ينطفئ تباعاً مع تقدّم أصحاب المحلّات في العمر ومغادرة بعضهم الحياة، ولخَلق فرص العمل لأبنائها وتثبيت العائلات في أرضهم، بعدما طفحَ كيلهم من حال الركود، والدليل أنّ بعض العائلات لم تُكلّف نفسَها حتى عناء زيارة منزلها صيفاً، ونحو 150 منزلاً بقيَت مقفَلة.
قيادات بحجم الحاجة
تتوزّع أصوات «الديارنة» بين أحزاب: «الأحرار»، «القوات اللبنانية»، «التيار الوطني الحرّ» و»التقدّمي الإشتراكي» إضافةً إلى بعض الثقل العائلي. ومع اقتراب موعد الانتخابات، يوضح أحد المرشّحين لرئاسة البلدية (رفضَ الكشفَ عن إسمه)، «أنّ الأسماء المؤثّرة الثلاث في مجرى الانتخابات، سواءٌ كان الاتّجاه إلى معركة أو توافق، هم: النائبان دوري شمعون وجورج عدوان، والوزير السابق ناجي البستاني، وحتى الآن لم يتمّ أيّ لقاء فعلي بينهم للتفاهم على التنافس أو التوافق»، مشيراً إلى «أنّ «الديارنة» يمارسون ضغطاً على القادة الثلاث من أجل اقتراح أسماء جديدة، نظراً إلى أنّ المرشّحين أنفسَهم يتكرّرون منذ 20 عاماً ولم يُحقّقوا الكثير مقارنةً مع المدّة التي أمضوها في البلدية».
ويؤكّد «أنّ الاتّكال على أمجاد الماضي لم يعُد نافعاً مع «الديارنة» لأنّهم يفتقرون أكثر من أيّ وقت مضى إلى مَن يتعامل معهم على الأرض، لذا البلدة ما عادت «تحمل» معركة، وعلى القادة أن يتّفقوا على مجموعة تحبّ العمل الإنمائي».
عدوان متريّث
في وقتٍ لا يزال الترقّب سيّد الموقف، يؤكّد مصدر قواتي لـ»الجمهورية»: «أنّ في جعبة النائب جورج عدوان أسماء من خيرة أبناء البلدة، كلّهم طاقة للبلدة، وبوسعِهم النهوض بها، وهو يأبى اختصار هذا الاستحقاق بشخص رئيس البلدية»، قائلاً: «المعركة يجب أن تكون إنمائية، لا تنطلق من اختيار رئيس ومن ثمّ تركيب اللائحة بطريقة حصد أصوات العائلات، إنّما ضمن فريق عمل متجانس مترابط، يضمّ التخصّصات كافة، لهم طروحات تخدم البلدة وتطوّرها». وتابَع متأسّفاً: «حتى الآن يخوض الجميع المعركة وكأنّها رئيس بلدية، آنَ الأوان للسير عكسَ العقلية السائدة وتغيير المقاربة».
كلّ مَن راقبَ الأعمال الإنمائية التي يديرها عدوان في البلدة، وآخرُها ربطُ دير القمر بمنطقة دير دوريت، ظنّ أنّ لعدوان رغبة في ترشيح أخيه، في هذا السياق ينفي المصدر ترشيحَ عدوان لأخيه، قائلاً: «مِن غير الوارد»، فالذهنية العائلية بعيدة عن فكره».
شمعون: لا مفرّ من المعركة
مِن جهته، يرى النائب دوري شمعون «أنّ اللوائح في طور التشكّل، نتأمّل ألّا يكون هناك معركة، ولكن على ما يبدو لا مفرّ». وأوضَح لـ»الجمهورية»: «أنّ الأساس هو في إبقاء البلدة هادئة، وأن يخوض أهلها المعركة بروح رياضية، لأنّ الأهمّ من كلّ شيء مصلحة دير القمر فوق أيّ اعتبار أو مصالح فئوية». وتابع: «يهمّني تشكيل مجلس بلدي من أصحاب الكفاءة، وليس الهدف الظهور في الصورة، إنّما العمل في سبيل خدمة البلدة وأبنائها».
وفي ضوء ترؤسِه بلدية «الدير» لنحو 10 سنوات، يَعتبر شمعون، «أنّ العصب العائلي بين «الديارنة»، يطغى على الانتماء الحزبي، وحتى إنّ الأحزاب عندما تعدّ معركتها تعمل على استقطاب الأعضاء من العائلات لضمان وصولهم، فالقوى الحزبية بمعزل عن العائلات لا يمكن أن تربح في دير القمر، فالعصب العائلي يطغى».
لقاء في الكواليس؟
وعمّا إذا إلتقى شمعون بالنائب عدوان وتباحَثا في شأن الانتخابات البلدية، نفى شمعون أن يكون قد تمّ أيّ لقاء بينهما. وعمّا إذا كان من موعد محدّد للّقاء، قال: «ما من موعد قريب في الأفق، وسنرى ما قد يحصل». في هذا السياق، وتعليقاً على إمكانية ترجمة التقارب العوني – القواتي في الدير، يقول شمعون: «لا أعرف تحديداً بالنسبة إلى «الجازِة» العظيمة التي حصلت، لذا علينا الانتظار والترقّب».
وأمّا إذا سيبقى متمسّكاً بترشيح فادي حنين، فأجاب شمعون: «من الأساس أعلنت ترشيحي لحنين، ولا أعرف إذا كنت قد أتراجع عن خياري، فحتى الآن حنين هو الشخص الأنسب لترؤّس البلدية نظراً لخبرته وكفايته ولوَقته، وأبناءُ البلدة يعرفونه». وهل ستخوضون المعركة منفردين أو متحالفين مع أحد؟ يجيب: «لا نزال ندرس مصلحة دير القمر، ووفق ما تقتضيه المصلحة سنسير، سواء بالتحالف أو منفردين».
في موازاة ذلك، علمت «الجمهورية» أنّ البستاني قد أرسل عن طريق أحد المحامين ليبلغَ حنين، أنّه قد يحظى بترشيح البستاني له مقابل إعطائه نصفَ أعضاء البلدية. في هذا السياق، نفى شمعون عِلمه بهذا اللقاء، أو تبلّغَه رسالة معينة من البستاني مفادها تقاسم المقاعد».
أسماء في الغربال
إلى ذلك، يبقى الترقّب سيّد المواقف، فمن لديهم رغبة في الترشّح ينتظرون اجتماعاً بين القيادات الرفيعة، والقياداتُ الرفيعة تتريّث، باستثناء شمعون الذي أعلن عن طرحه حنين.
لذا تبقى جميع الأسماء المطروحة ضمن «القِيل والقال»، ويبقى الرهان والتركيز في الكواليس مصبوباً على كيفية الاستفادة من أصوات أكبر العائلات في البلدة، منها: نعمة، البستاني، موسى، البويز… . على أمل أن تكون البلدية المقبلة على قدر حاجة «الدير» للنهوض بها، فهل يتحقّق حلم الأهالي بأعجوبة من سيّدة «التلّة» شفيعة البلدة؟