بين سجن الـ»باستيل» القابض على خناق الفرنسيين وأنينهم، وحبس «لافورتين» الشيوعي في موسكو المُمتصّ لأحلام الجماهير الروسية، صِلات رحمية هي ما عاكس خلاصات ماركس حول قرب زوال الدولة لثقته الثورية في قرب الانتفاضة العالمية ونشوء نظام أممي عمالي.
كان هذا الموقف الماركسي جزء مُستقى ومأخوذ من خلاصات مفكري عصر الانوار، الذين افترضوا انّ النزاعات القومية ستزول بتقدم العقلانية والليبرالية. وبين «تَوحّش روبسبيير الثوري» و»همجية ستالين الاشتراكية العلمية» جسر من نور استَقى منه ستالين تعبير «عدو الشعب» ليبطش بأكثر من خمسة ملايين سوفياتي، كلهم كانوا أبرياء ومخلصين لثورة اكتوبر، ليعترف في خلاصتها الامين العام للحزب بدولة إسرائيل بعد 48 ساعة من إعلانها من قبل بن غوريون نكاية بملايين العرب الشاغلين قطعة أرض مساحتها 14 مليون كلم2، أي الثانية بعد روسيا.
الغبي المتوحّش
نشأ ستالين وتربّى وتشرّب الافكار الدينية في الدير، قبل ان يصبح شيوعياً متعرّفاً الى لينين الذكي لكن المشوّه لتعاليم ماركس – انغلز، الى محرك ثورة اوكتوبر العسكري ليو دافيدو وفيتش تروتسكي اليهودي الخزري الاوروبي.
إستمر ستالين «تلميذاً غبياً وطَلطميساً» في حقل استيعاب الفكر الماركسي حتى وهو في موقع الأمانة العامة، بفضل ما «دَلّعه» لينين من صفات، وقد وصلت دموية ستالين في عامي 1937 – 1938 حين فتك بخيرة ضباط الجيش الروسي الشجاع وقد وقّع معاهدة عدم اعتداء مع هتلر. وأثناء الحرب العالمية التي شنّها هتلر على روسيا المستنزفة بحوالى 30 مليون شهيد، كان ستالين على أهبة التنازل عن ملايين الكيلومترات لالمانيا لولا بعض مساعديه. ومن مزايا توحّش ستالين الدموي انه فتك بأدباء روسيا الكبار، ومنهم فلاديمير ماياكوفسكي وأروع شاعر عشق على الساحة الاوروبية سيرغي يسنين، والروائي الأقدر مكسيم غوركي الذي ترك للعالم رواية «الرغيف» عن ثورة 1905 والذي أسّس جمعية «البحث عن الله» بعد ثورة اكتوبر (إشارة الى انّ غوركي وماياكوفسكي أكبر وانقى ثوريين على الساحة الاوروبية ذهبا طُعماً لنصل ستالين الجرائمي). وعندنا في لبنان تدخّل ستالين عبر مكتب الاممية الذي كان يقوده كامينيف اليهودي، فأرسل عشرات اليهود وتدخّل الى جانب الكردي الشامي خالد بكداش الذي دمّر حياة المثقف الفقير فؤاد الشمالي، ثم المؤرخ الكبير الماركسي يوسف ابراهيم يزبك مؤلف مذكرات الرئيس بشارة الخوري، والقائل: «ما كنت ألّفتُ حزب الشعب لو كنت أعلم انّ لصوصاً ستتعدى عليه، ولكنت بائع فحم في آخر هذا الشارع».
لم يكن ماركس نبيّاً او موحى اليه، ولهذا أغفل في مباحثه دور الدولة في تكوين الامة لا بل قال: «يومها ستزول الدولة ولم تعد بحاجة الى سجون وقوات شرطة». والسؤال: هل هناك نظرية مكتملة عند ماركس؟» اعتقد انّ انغلز او لينين لم يتوصّلا الى نظرية حقيقية حول الدولة، وإلّا لما وصل ستالين الى مركز الأمين العام واجترح الجرائم، منها القضاء على ملايين الفلاحين عند تطبيق مشروع الكلخزة (التعاونيات) و/أو سحق دماء الادباء وضباط الجيش اعوام 1937 – 1938 اي اوائل الحرب العالمية الثانية.
فلسفة الحقّ
إنتقد ماركس هيغل على «فلسفة الحق»، قائلاً عنه: «ديالكتيك هيغل يقف على رأسه، والمطلوب أن يقف على رجليه». وماركس، الذي لم يتسنّ له وضع نظرية واضحة ومفصّلة عن الدولة، قدّم حشداً كبيراً من التعليقات والانتقادات واللطشات الهجائية والتصوّرات عن الدولة الرأسمالية كما تطوّرت امام عينيه. كان ماركس وانغلز يعتمدان على الثورة الفرنسية، ومن ثم على «كومونة باريس» كمقدمة تاريخية لـ»ثورة اكتوبر» التي قام بها يهود اوروبا الخزريون المتعطشون لعلاقة رحمية مع يهود الشرق وتراث الثوراة والتلمود الاورشليمي.
في الادبيات الماركسية دخل لينين كشخصية مثقّفة تملك الكثير من الفعل الثوري والاكثر بدفاعها عن يهود اوروبا الخزر، ولا كلمة واحدة عن يهود الشرق العربي واتباع موسى. كان دفاعه سياسياً ولا كلمة عن صراعات الانبياء اليهود، ولا ما قالوا هم عن الإله المسيح تشويهاً وتزييفاً في التلمود. وعندما استدعاه رجال ثورة اكتوبر من اوروبا كان عليه ان يعمل «وقّاداً» أو «ملقّم فرن القطار بالفحم الحجري»، بينما اتهمه الشعب الروسي بالعمالة لالمانيا وحتى هذه اللحظة يعيد ويكرّر هذا الشعب التهمة، بينما أصبح لينين زعيم الثورة موزّعاً الصفات الثورية على رفاقه اليهود من ناسجي الخيوط التنظيمية لهذه الثورة التي مَرّت كشربة ماء من دون قطرة دم. وكل الصمت الدموي جاء لاحقاً خلال 3 سنوات متواصلة، وخلال مشاهد لتلفزيون «اذاعة روسيا» أصغيت الى خبر سياسي مفاده انّ الثري الاميركي اليهودي مورغان قدّم عام 1917 مبلغ مليون دولار كمساهمة في اصدار جريدة «البرافدا» المستمرّة حتى اليوم، والمدهش في أمر «هؤلاء المتمركسين» انهم يلصقون هذه العلامة على صدورهم لرجل موهوب وتغييري حتى العظم حمل اسم ماركس، وكان والده يهودياً. وهو قال عنهم بإصرار: «قبل ان يقتل اليهودي حب المال في عقله لن يصبح إنساناً». وشخصياً، وقعتُ ضحية هذا الفخ اليهودي اللاإنساني ولم استطع فعل شيء ولي في روسيا 4 اشهر.
وأنا اليساري بطبعي على طريقة جدي، أعرف أنّ كثيراً من الفلاسفة عارضوا إسقاط الرأسمالية الروسية القيصرية لصالح فكر شيوعي بحجة تخلّف روسيا، هم: بليخانون عدو لينين واكثر المفكرين اطلاعاً على ماركس وفيبر، وروزا لوكسمبرغ وكاوتسكي الذي كتب عام 1938 قبل وفاته: «يعتذر الاستمرار بتجربة اكتوبر». وهؤلاء جميعاً استندوا الى تأخر روسيا عمّالياً، وانا أعارضهم جميعاً واقول إنّ بلاداً أعطَت دوستويفسكي اساس كل الحركات الادبية البوليسية حتى اليوم، وليون تولستوي بندائه لماذا نَتقاتل؟ ليست متخلّفة. ولينين بعقله المشرف واللامع لم يكن أكثر «من ماسوني يهودي خزري» لم يقل كلمة واحدة عن «يهود خزري»، لم يقل كلمة واحدة عن يهود العرب او انبيائهم الذين كانوا يتكلّمون مع الله بكل بساطة ولما أنشئت دولة اسرائيل في ايار 1948، والتي قامت على التحالف اليهودي الاوروبي ولا علاقة لكل انبياء اليهود الشرقيين به، وربما لعبت المسيحية البروتستانتية دوراً اكبر في ذلك. وقد بدأ هذا الدور مع شقيق الاديب اللبناني الكبير فارس الشدياق.
لعبَ الفيلسوف الالماني كارل كاوتسكين استاذ لينين، دوراً محورياً في ابراز تمثّلات ماركس الفكرية (وربما عبر هذا الفيلسوف الالماني جرى اتهام لينين بالعمالة لالمانيا)، وكان المفكّر المادي غرامشي (أمضى ثلثَي عمره القصير في السجون) يصف الثورة الروسية منطق «رأس المال» السوسيولوجي الليبرالي ماكس فيبر، فرأى بحدسه أن الدولة ستسود وتبتلع الحزب».
إنفجار مضاعف
أحدثت الثورة انفجاراً مضاعفاً في الوسط الروسي، وغالبية المفكرين رأت انّ الاحداث الانتفاضية جاءت في اكثر البلدان الرأسمالية تخلفاً، وماركس لم يكن يرى ذلك لو تسنّى له ان يعيش ايام ثورة اكتوبر كما عاشها اليهودي الاميركي جون ريد نَشطاً ومتحمّساً. ولهذا الصحافي المفكر تعود اكثرية تمثّلات الثورة الفكرية بين لينين وتروتسكي وبوخارين، لأنّ الاول قائدها الايديولوجي والثاني العسكري والثالث الاقتصادي، إذ برز بوخارين كفرد يحمل برنامجاً اشتراكياً للثورة وقد قتله ستالين، والمدهش انّ الثورة بلغت عام 1937 فقط مستوى عام 1914 الانتاجي، أي العام الذي ضَخّت فيه الى جبهات الحرب العالمية 7 ملايين مقاتل من الروس الفقراء والمعدين وصولاً حتى حالة حثالة البروليتاريا. واذا كانت ثورة اوكتوبر قد انتزعت من الرأسمالية القيصرية دولة بيروقراطية واستبدادية، ففي تراتبية هذه الدولة سيطرت طبقة جاهلة حاول لينين استدركها بمراسيمه المتنوعة حول الاقتصاد والارض.
صحيح أنه جرى تدخّل متوحّش دموي ضد «ثورة اليهود»، الّا انّ الخلاصة تقول انّ لينين كان المتثقّف الأبرز لدى هذه الثورة مع بعض الاقليات (تروتسكي، بوخارين) والتابع المُستلزم ستالين من عمق الدير الى رئاسة الحزب الشيوعي الى فتكه قتلاً بحوالى 7 ملايين إنسان، الى قصفه بالمدفعية جماهير الفلاحين الرافضة «لأسلوبه الاشتراكي في الزراعة»، الى تسميمه على يد بيريا الوزير الامني عام 1952، وصولاً اليوم حتّى حُكم العقل اللمّاح والألمعي فلاديمير بوتين، وكلّي ثقة ان لا يتعامل بوتين «بحلم مسيحاني أوروبي» مع اليهود الانجيليين خاصة كما دافع عنهم لينين.