كنّا نتحلّق مشدوهين حول جارنا الراوي أسعد، يسرد لنا، نحن صغار الحي، فصولاً من مغامرات سامي خوري، أحد ألمع مهرّبي المخدرات، ليس في لبنان فحسب، بل في العالم كلّه، في أربعينات وخمسينات القرن الماضي.
ومما أذكره من مآثر الرجل الخارق الذكاء، نقلاً عن الراوي أسعد، أن خوري كان يتلذذ بـ”التزريك” للقوى الأمنية التي سخّرت إمكانات هائلة للإيقاع به، فيبلغها مثلاً أنه سيمرر شحنة على أحد حواجزها ويحدد التاريخ… وينجح. مرة زرع حقل ملفوف وثبت على كل رأس، قبل التفاف الأوراق على بعضها، كمية من الحشيشة، وفي خلال أسابيع التفت الأوراق الخضر على بعضها فشحنها خوري حبلى بالحشيشة وعبرت بسلام وأمان على الحدود باتجاه العالم العربي، على الرغم من التفتيش الدقيق.
يا لسعة خيال سامي خوري التي ألهمت كبار المهرّبين.
ويبدو أن ريّس صافي ( قصي خولي) بطل مسلسل “20 20” استوحى من سيرة أسطورة التهريب اللبناني، فوضب الكوكايين في الكوسا والباذنجان والفليفلة ووزع الإنتاج بخوف الله. والجامع المشترك بين صافي، وصفوة مهربينا، أن الإثنين تمتعا بحس إنساني عالٍ ووزعا المال والمعونات على الجمعيات الخيرية.
وما زلت حتى اليوم، مذهولاً كيف تمكن من جدلِ حبل عريض حول كمية من الحشيشة، واستعمل الحبل في حزم صناديق الخضار، عرف الدرك بأمر الشاحنة. لا بل سامي خوري أبلغهم بأمرها. أوقفت الشاحنة على أحد الحواجز. لم يتركوا فيها زاوية إلا وفتشوها، أنزلوا الصناديق على الأرض، بعثروا الخضار والثمار. داخوا من رائحة الحشيشة ولم يعثروا على حشوة سيكارة.
ومن المفارقات أن شقيق الرئيس بشارة الخوري، السفير سامي الخوري الحامل اسم مهرب الحشيشة الأسطوري، تعرّض في خلال أسفاره للكثير من المضايقات والتفتيش في مطارات أوروبا، وهناك مسؤول في الحزب القومي، حمل الإسم نفسه وكان من مجايليه.
بعد سامي الخوري، الذي اختفى العام 1962 في ظروف غامضة، طوّر اللبنانيون مهاراتهم وقارعوا الكولومبيين في تهريب المخدرات، وكانت الحشيشة تُصدّر في الثمانينات مدموغة بالأرزة، ليحاذر تجار المفرّق التقليد، أما اليوم فالطعم هو الفرق سر الفرق، والتجربة خير برهان، إبلع حبة الكبتاغون اللبنانية مرة تعشقها كل مرة. الكبتاغون عنوان الثقة.
أما طرق التوصيل إلى الخليج العربي فمبتكرة، مرة تفشل وتحبط العملية في مهدها، ومرات تنجح، والمهم أن تهريب الحبوب المخدرة والبودرة المنعشة يؤكدان الريادة اللبنانية على مستويين: الجودة والإبتكار. وما تصدير 5 ملايين حبة كبتاغون إلى جدة في حبات رمان سوى حلقة من مسار إبداعي طويل.
تُرى أيكون المهرّب من أحفاد سامي خوري الميامين؟ ومن يروي لأولادنا الصغار نتفاً من مغامراته؟ يا عفو الله !