الامن اللبناني لا السعودي من يكشف عمليات التهريب ويحبطها: لماذا تخفي السعودية هوية تجار الكبتاغون؟
بالتماهي مع الاتهامات الأميركية والإسرائيلية لحزب الله بالتورط في تجارة المخدرات والجريمة المنظمة لتمويل «أنشطته الإرهابية»، تصرّ السعودية على توجيه أصابع الاتهام للحزب لدى اكتشاف كل محاولة تهريب حبوب مخدّرة إلى أراضيها، واستخدامها لتضييق الحصار على لبنان. «تجارة» الكبتاغون، كأي تجارة أخرى، تقوم على العرض والطلب، وهي علاقة تبادلية: زيادة العرض في بلد المنشأ تقوم على زيادة الطلب في البلد المستورد، و«التاجر» المحظي هنا يفترض وجود «تاجر» ذي حظوة على أعلى المستويات هناك. تُحبط العمليات هنا ويعتقل متورطون، فيما على الطرف الآخر أشباح غير مرئيين قد لا يقلّون شأناً عن «أمير الكبتاغون» الشهير
تقدّر كلفة إنتاج الحبّة الواحدة من الكبتاغون مع كلفة تهريبها بنحو 85 سنتاً، وتباع في «السوق» السعودية بما يراوح بين 10 و20 دولاراً. هامش واسع من الربح يفسّر «استقتال» المهرّبين على إيصال هذه الحبوب إلى حيث الطلب عليها كبير جداً. يكفي أن ينجح «التاجر» في إيصال شحنة واحدة، حتى ولو أُوقفت خمس شحنات أخرى له، ليحقّق ملايين الدولارات. إذ إنّ نسبة الأرباح العالية جداً من عملية ناجحة تُغطي بما لا يُقاس الخسائر المتحققة جراء فشل عدة عمليات تهريب. الاعتبار هنا مالي بحت، بخلاف اللبوس السياسي الذي تحاول المملكة العربية السعودية وأخواتها الخليجيات إلباسه لتجار هذه المواد الممنوعة، واستغلال هذه التجارة في تصفية حسابات سياسية مع لبنان، وخصوصاً مع حزب الله، بالتماهي مع اتهامات إسرائيلية وغربية للحزب بالتورط في تهريب المخدرات الجريمة المنظمة «واستثمار عائداتها لتمويل أنشطته الإرهابية».
التهريب أشبه ما يكون برقصة التانغو: يحتاج إلى راقصَين. فتحوّل لبنان وسوريا (والأردن وتركيا أيضاً) إلى مركز لتصدير الكبتاغون يعني أن هناك أسواقاً ضخمة للاستهلاك. بالتالي، ازدياد الإنتاج وارتفاع عمليات التهريب مرتبطان بارتفاع الطلب في بلدان الاستهلاك. ووصول حبوب الكبتاغون إلى السوق السعودية أو الخليجية يفترض أن هناك تجاراً سعوديين وخليجيين على الطرف الآخر هم من يستلمونها ويتولّون توزيعها. لكن اللافت أن الحكومة السعودية، مثلاً، التي تصبّ جام غضبها على لبنان لدى اكتشاف كل عملية تهريب، لم تكشف يوماً عن أي من التجار الكبار المحليين، باستثناء من تعلن إعدامهم بتهمة الترويج من أبناء الجاليات الهندية والفيليبينية وغيرها. علماً أن توقيف الأمير السعودي عبد المحسن آل سعود («أمير الكبتاغون»)، في مطار بيروت عام 2015 أثناء محاولته تهريب طنين من حبوب الكبتاغون في طائرته الخاصة، مؤشر على الفئة التي ينتمي إليها المنخرطون في هذه التجارة في بلاد الحرمين الشريفين!
إحدى أشهر الشحنات التي وصلت إلى السعودية داخل صناديق من الرمان، في نيسان الماضي، لم تكن الأولى. رغم ذلك، اتخذتها الرياض ذريعة لوقف استيراد الفاكهة والخضار من لبنان وتضييق الحصار عليه، وشنّ حملة اتهامات ضد حزب الله، رددت صداها جهات محلية، رغم أنه تبيّن أن عملية التوضيب تمت داخل الأراضي السورية.
بلدان التهريب تشمل سوريا والاردن وتركيا ولا تنحصر بلبنان ولا دليل على تورط حزب الله
سجلات مضبوطات حبوب الكبتاغون لدى مديرية الجمارك تؤكّد أن هذه «التجارة» الدولية في نمو مضطرد، وأنها كأي تجارة أخرى، تسعى وراء الطلب. العام الماضي، أحبطت شعبة مكافحة المخدرات في مديرية الجمارك عشرات عمليات التهريب. في الرابع من كانون الثاني الماضي، ضبطت في مرفأ بيروت مليون حبة كبتاغون مخبأة داخل عبوات شحم وزيت للسيارات معدة للتصدير إلى كينيا. وبعد أربعة أيام ضُبطت، في المرفأ، أكثر من 8 ملايين حبة كبتاغون معدة للتصدير إلى ليبيا، وفي الشهر نفسه أحبطت الشعبة تهريب عشرة ملايين حبة كبتاغون مخبأة داخل آلات لقصّ الرخام، و400 ألف حبة كبتاغون مخبأة داخل أشجار الزيتون معدّة للتصدير إلى سيريلانكا، ونحو مليون حبة موضبة داخل قطع غيار للجرافات معدة للتصدير إلى السعودية. وفي شباط، ضُبط في مكتب الطرود البريدية في المطار 40 ألف حبة كبتاغون كانت وجهتها السعودية. وفي آذار، أُحبط تهريب نصف مليون حبة كبتاغون داخل أثاث منزلي وملايين من الحبوب المخدرة مخبأة داخل مضخّات مياه معدة للتصدير إلى السعودية. كما ضُبطت في المرفأ شحنة كبتاغون ومواد أولية تستخدم في تصنيعها مخبأة في أرضية شاحنة للتصدير إلى جيبوتي، وشُحنة أخرى موضبة داخل «طبالي» خشبية في طريقها إلى ليبيا.
مبالغة المسؤولين اللبنانيين في تظهير هذه العمليات والتودد للسعودية قابلتها الأخيرة بجحود. فلم تنوّه في أي مرة بجهود الأجهزة الأمنية اللبنانية، والأهم أنها لم تعترف علناً، أبداً، بأنّ ضبط معظم شحنات الكبتاغون داخل أراضيها كان بناء على معلومات زوّدت بها الأجهزة الأمنية اللبنانية نظيرتها السعودية، وعملت على استغلال هذه العمليات سياسياً لتشديد حصارها على لبنان رغم أن عدداً لا يستهان به من عمليات التهريب التي أُحبطت مصدرها الأردن وتركيا.
كل هذه العمليات أُوقف فيها متورطون في عمليات التهريب والتصنيع لم تثبت علاقة لأي منهم بحزب الله. أما إقامة بعضهم في مناطق تصنّف بأنها خاضعة لنفوذ الحزب، أو ممن تربطهم صلات قربى ببعض مسؤوليه، فلا تعني تورطه، تماماً كما لا يعني تورّط عناصر أمنية رسمية في عمليات التهريب تورّطاً للدولة اللبنانية في هذه التجارة.
آخر العمليات التي اختتم بها العام الماضي كانت إحباط تهريب نحو 9 ملايين حبة كبتاغون في شحنة من البرتقال في مرفأ بيروت، في 23 الشهر الماضي، معدّة للتصدير إلى الكويت. وتبين أنها جزء من عملية أوسع تضمنت شحن مليون حبة كبتاغون تم ضبطها في دبي، وشحنة ثانية كانت لا تزال في عرض البحر في طريقها إلى الكويت. وبحسب المعلومات الأولية أوقف أربعة سوريين متورطين في العملية إلى جانب متعهد الشحن اللبناني و. ع. من منطقة الضنية. وتبين أن الشحنتين المضبوطتين في مرفأي دبي وبيروت تم شحنهما لمصلحة شركتين مقرهما في طرابلس. علماً أن عدداً من كبار تجار هذه المادة الممنوعة سوريون، أشهرهم حسن دقو المشتبه بتورطه في محاولة تهريب أكبر شحنة حبوب مخدرة إلى أراضي المملكة السعودية عبر ماليزيا (95 مليون حبة كبتاغون بقيمة مليار دولار)، و«بارون» الكبتاغون محمد شحادة رشق الملقب بـ «أبو العباس» الذي تبيّن انه كان شريكاً مع أحد ضباط قوى الأمن الداخلي، وخلدون الغفيلي المشهور بـ «أبو مشعل»، إضافة إلى لبنانيين مثل حسن سرور المشهور بـ «أبو عبدو» وحسن محمود جعفر وغيرهما ممن وقعوا في قبضة القوى الأمنية اللبنانية.
«السكّيك»
تصنيع الكبتاغون هو الحلقة الأسهل فيما تبقى عملية التهريب الأصعب. وهنا يبرز، في أوساط تجار المادة الممنوعة، مصطلح «السكّيك» الذي يشير إلى من يبتكر «سككاً» أو طرقاً للتهريب. وفي غالبية الحالات، يتعامل تجار الكبتاغون مع مخلّصين جمركيين في المطار أو المرفأ لتسهيل مرور شحنات من البضائع لا يعلم المخلّصون في أغلب الحالات بوجود حبوب مخدّرة موضّبة داخلها.
نشاط محلي
لم يكن لبنان سابقاً سوقاً لحبوب الكبتاغون. لكن، مع الأزمة الاقتصادية والمالية، تؤكد مصادر أمنية تسجيل نشاط محلي للتجار والمروّجين في توزيع حبوب الكبتاغون التي يصل سعر الحبّة الواحدة منها إلى 10 آلاف ليرة.