Site icon IMLebanon

الأسير.. نهاية ظاهرة أم بداية جديدة؟

 

طغت عملية توقيف الشيخ أحمد الأسير في مطار بيروت، على ما عداها من أحداث وتطوّرات، وكأنها هي المَخَرج المُنتظر لخروج البلاد والعباد من دوّامة الأزمات والمآزق السياسية والاجتماعية، البيئية والمالية، التي تُهدّد ما تبقى من مؤسسات الدولة ومعالمها!

لا شك أن العملية تُعتبر إنجازاً نوعياً جديداً للأجهزة الأمنية، وخاصة للأمن العام ومديره اللواء عباس إبراهيم، حيث يعمل الأمن اللبناني بنشاط وفعالية في التصدّي للمخاطر الإرهابية، معتمداً على قدرات العناصر البشرية، وما يتوفّر من تقنيات التواصل والإتصالات، والمعدّات الحديثة الأخرى، وهو قليل، قياساً على ما هو متوفّر للأجهزة الأمنية المماثلة في دول الجوار من جهة، وبالمقارنة مع ما هو مطلوب لتمكين الأجهزة الأمنية من القيام بمهماتها كاملة، في حماية أمن البلد، وتحصين استقراره.

غير أن هذا الإنجاز النوعي في «ملف الأسير»، يُحمِّل السلطة السياسية، وزارة الداخلية، ومعها كل الأجهزة الأمنية التابعة لها، مسؤولية مضاعفة، في إثبات قدرتها على التحرّك، وتحقيق مثل هذه العمليات المهمّة، في مختلف المناطق اللبنانية، مع تأكيد جهوزيتها لملاحقة الفارّين من وجه العدالة، والمطلوبين بتهم القتل والإغتيال، أو الإتجار بالمخدرات وارتكاب الموبقات، خاصة عصابات الخطف والتعدّي على الآمنين، خاصة في البقاع الشمالي، حيث تنتشر «موضة» الخطف مقابل فدية مالية، على مرأى من القوى الأمنية في المنطقة.

نجاح الخطة الأمنية في طرابلس، يتحوّل إلى مصدر قلق وغضب، إذا لم يتواكب مع تنفيذ الخطة المماثلة في البقاع مثلاً. والخطة الأمنية في بيروت تبقى بتراء إذا لم تقترن بخطة جدّية في الضاحية، قادرة على مكافحة الفلتان الأمني، والحدّ من حالة التسيّب السائدة في أكثر المناطق اكتظاظاً سكانياً على الطرف الجنوبي من العاصمة.

ومن حق أهالي طرابلس أن يسألوا: كيف تستطيع الدولة الوصول إلى رموز إرهابية عاتية، وتعجز عن توقيف مفجري مسجدي السلام والتقوى في الفيحاء؟

ومن حق آخرين أن يتساءلوا كيف تقدر الأجهزة الأمنية على توقيف عشرات الأشخاص المتهمين بالإنتماء إلى جماعات وخلايا إرهابية، وتتغاضى عن توقيف المطلوبين بعشرات مذكرات التوقيف بتهم القتل والخطف، والسرقات والإتجار بالمخدرات؟

* * *

في انتظار الردّ الشافي عن تلك التساؤلات المبرّرة، يبقى السؤال الأكبر الذي يشغل بال الجميع:

هل توقيف الأسير وإحالته للمحكمة العسكرية هو نهاية هذه الظاهرة المُثيرة للجدل، أم هي بداية جديدة لإعادة إثارة الأحقاد والغرائز، لصبّ المزيد من زيت الإحتقان والكراهية على نار الفتنة المذهبية؟

لا شك أن استمرار النمط الحالي في التعامل مع الخطط والأجهزة الأمنية، والقائم على قاعدة «أولاد ست، وأبناء جارية»، من شأنه أن يُغلِّب الإحتمال الثاني على الأول، ويحوّل محاكمة الأسير إلى مرافعات يومية صاخبة ضد الدولة وتحيّز الأمن والقضاء إلى جانب فئة من اللبنانيين، ضد فئات أخرى، الأمر الذي من شأنه أن يفتح الأبواب على مصراعيها لدعاة التطرّف، وللمتاجرين بآلام الشباب المهمَّش وآمالهم، لجرّهم الى خيارات أبعد ما تكون من طبيعة المسلم المؤمن، ولا علاقة لها بتعاليم الدين الحنيف.

طبعاً ليس المطلوب تطبيق قاعدة 6 و6 مكرر السيّئة الصيت في القضايا الأمنية، حيث يترافق توقيف كل مطلوب سنّي مع إعتقال آخر شيعي، وثالث ماروني ورابع درزي، ..إلى آخر المعزوفة الطائفية المقيتة..،

ولكن على الأجهزة الأمنية أن تحزم أمرها، وتُثبت إبتعادها عن المحسوبيات السياسية والحزبية، وتأكيدها على التعامل مع كل اللبنانيين على قدم العدالة والمساواة، بعيداً عن أي هيمنة أو تحيّز.

* * *

من المُفيد أن نتذكّر أن «ظاهرة» أحمد الأسير، نمت وترعرعت في فترة الإحباط الذي ساد بيئة تيّار المستقبل، إثر انقلاب حزب الله وقوى 8 آذار، على حكومة الرئيس سعد الحريري، واستخدام أصحاب القمصان السود لقطع الطريق على عودته إلى السراي، عبر الإستشارات النيابية التي تمّ تأجيلها عنوة، لإعادة تركيب الأكثرية إلى جانب مرشّح 8 آذار!

إذن، الإنقلاب على تيّار الإعتدال، ساهم في إطلاق تيارات التطرّف والمغالاة ورفض الآخر، تحت شعار أن «الكلمة الطيّبة»، والحوار «بالتي هي أحسن»، لم تعد تنفع أمام سطوة السلاح الحزبي، وحصول الإختراقات في المدن والمناطق المؤيّدة للحريرية، عبر مسمّى «سرايا المقاومة».

ما كان لظاهرة الأسير أن تلقى الحماس المعروف من قِبَل شباب سنّي في صيدا وضواحيها، وفي الإقليم وقراه المحرومة، وفي الشمال وعكار، وهي المناطق الأكثر فقراً على الأراضي اللبنانية، لو أن الأمور ما بلغت تلك المستويات الخطرة من الإحتقان والتحديات، بعد إصرار الحزب وقوى 8 آذار على التفرّد بالسلطة عبر الحكومة الميقاتية، والخروج عن قاعدة الإئتلاف الوطني التي طبعت حكومات ما بعد الطائف.

* * *

لقد أثبتت التجارب المحلية والإقليمية، أن التصدّي للفكر الإرهابي لا يتم فقط بالعصا الأمنية، التي تهتم بحصر النتائج ومعالجتها، بل لا بدّ من النفاذ إلى الجذور التي ساعدت على تفريخ الفكر الإرهابي، وأهمّها: الفقر والجهل، إلى جانب التهميش والشعور الدائم بالمظلومية القاتلة.

وهنا مكمن الخطر في قضية الشيخ الأسير!

ومن باب الحرص على هذا الإنجاز النوعي، وتمسكاً بدعم المجهود الوطني لمحاربة الإرهاب، لا بدّ من القول، وبكل صراحة ووضوح، إذا لم تشدّ الأجهزة الأمنية همّتها، وتعمل بجدّية، على مواكبة محاكمة الأسير، بملاحقات وتوقيفات نوعية من أطراف ومناطق أخرى، وهم كُثر، والوصول إليهم ليس مهمة مستحيلة، فإن جماعات التطرّف والتكفير سيستغلون الفرصة للضرب على الوتر المذهبي، ويعملون على إيقاظ المارد النائم، وإخراجه من قمقم الإعتدال، بحجة محاربة الإنهزامية ورفض الإستسلام!

وآن لنا أن نتعلّم بأن الظُلم هو المُفجِّر الأول والأقوى للثورات..