إستغرقت العملية أربعة أشهر حتى تستعيد مصلحة تسجيل السيارات نشاطها، بعد أن تعطل عمل «النافعة» منذ 11 تموز الماضي، بسبب إصرار شركة INKRIPT، التي تمسك بمفاتيح تشغيل خدمات هيئة إدارة السير والمركبات وتتحكّم بأنظمة تشغيل تجهيزاتها المعلوماتية ورموزها، على قبض مستحقاتها بالدولار. ومع أنّ وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي، أخذ المبادرة في الإعلان عن عودة العمل في النافعة، وبالتالي «تطبيق القرار الذي إتّخذه ديوان المحاسبة بشأن إنكربت»، لم يُسجل مرحلياً سوى نصف عودة، وربما أقل، لخدمات النافعة. تماماً كما كان نصف تطبيق، وربما أقل، لقرارات ديوان المحاسبة بشأن «إنكربت».فالخدمة في الأسبوع الأول من استعادة دوائر هيئة إدارة السير نشاطها، استؤنفت من حيث توقّفت قبل أربعة أشهر. وعليه فإنّ تسجيل السيارات ليس متاحاً حتى الآن إلا لأصحاب السيارات المستوردة لأول مرة، أي الجديدة منها، أو المستعملة التي خضعت لكشف سابق. وهناك وفقاً لمصادر النافعة أكثر من ألف سيارة تمّ الكشف عليها قبل الأزمة الأخيرة، والأولوية حالياً هي لإنجاز معاملاتها. هذا بالإضافة الى مباشرة دوائر النافعة بإصدار رخص سوق بدل عن ضائع، أو تلف وتجديد رخص سوق منتهية الصلاحية، إصدار رخص سوق دوليّة، وتلقّي طلبات تسجيل الشّحن الخصوصي، تمهيداً لأخذ الموافقة المسبقة عليها. مع استمرار الهيئة في تأمين الخدمات التي كانت توفّرها سابقاً، والتي تشمل دفع رسم الميكانيك، تحويل الآليات لأنقاض، وإصدار استمارة رخصة سوق للخارج.
وفي حين أوضحت مصادر النافعة أنّ عملية تسجيل السيارات المستوردة ستتوسّع في الأسابيع المقبلة لاستقبال دفق جديد من السيارات المستوردة التي لم يكشف عليها، لم تحدّد مواعيد واضحة حتى الآن لخدمتين أساسيتين، يتسبّب استمرار تعطلهما منذ أكثر من 13 شهراً، في فوضى عامة على طرقات لبنان.
فحصر خدمات تسجيل السيارات حالياً بتلك المستوردة حديثاً، يُبقي معظم تداولات البيع والشراء للسيارات المستعملة المحلية، محصورة بوكالات تسجّل لدى كتاب العدل. هذا مع العلم أنّ الطلبات المقدّمة لدى مكاتب تخليص معاملات السير تكشف أنها الخدمة الأكثر إلحاحاً نظراً لتراجع أحوال اللبنانيين المعيشية. هذا في وقت يشير عفيف عبود رئيس نقابة أصحاب مكاتب السوق لـ»نداء الوطن» إلى أنّ إعطاء الأولوية للسيارات المستوردة حالياً يعود لكون السيارات غير المستوردة حديثاً مسجلة سابقاً، وبالتالي لديها قيود تسمح بقيادتها بموجب وكالة قانونية صادرة عن كتّاب العدل، ما يجعل وضعها سليماً قانونياً. بينما السيارات المستوردة ليست لديها لوحات، وبالتالي لا توجد لديها قيود قانونية تسمح بسيرها على الطرقات.
ومن جهة ثانية، فإنّ حصر منح رخص السوق بالبدل عن ضائع وبالرخص الدولية يحرم كل الشبان الذين بلغوا الـ18 منذ عام وأكثر حتى الآن، من الحصول على دفتر سوقهم الأوّل. وهذا ما يرتّب عليهم مخاطر مخالفة القوانين وتداعياتها على السلامة المرورية وسلامتهم، وعلى حقّهم بتغطية شركة التأمين في حال تعرضهم لحادث.
50 ألف طلب رخصة سوق؟
وفقاً للنقيب عبود، فإنّ التقديرات تشير الى وجود نحو 50 ألف شاب وشابة ينتظرون رخصة سوقهم الأولى، وذلك بالاستناد الى الطلبات التي كانت ترد للمكاتب في السابق، وتقدّر شهرياً بنحو أربعة آلاف طلب. ولذلك هو يتوقّع أن يتسبّب هذا الأمر في زحمة طلبات لدى إطلاق عجلة الخدمة مجدداً.
في المقابل تقدّر مصادر النافعة العدد بنحو 15 ألف شاب وشابة ينتظرون دورهم للحصول على رخصة سوق أولى. ومن هنا تلفت إلى محاولة هيئة إدارة السير خلق توازن بين تسيير أمور الناس وتطوير نظام الاستحصال على رخص القيادة، بما يتوافق مع المعايير الدولية وقانون السير. وتشير المصادر في هذا الإطار إلى تشكيل لجان فاحصة جديدة سيخضع أفرادها لدورة في معهد قوى الأمن، ومن بعدها يبدأ استقبال طلبات الحصول على رخص. وتتوقّع بالتالي أن تضاف هذه الخدمة الى الخدمات التي أطلقت خلال أسبوعين أو ثلاثة على أبعد تقدير، علماً أنّه وفقاً لعبود ستتعاون النقابة مع العناصر الذين سيتمّ تدريبهم، وسيخضع مدرّبو السوق وأصحاب المكاتب لدورة تأهيل.
التحقيق مع الشركة المشغّلة
أما بالنسبة إلى تطبيق قرار ديوان المحاسبة حول INKRIPT والذي صدر في شهر أيلول الماضي، فالواضح حتى الآن توصّل الإدارة الى تسوية مالية مع الشركة على المعاملات التي ستستأنف إنجازها بالمرحلة المقبلة، في سياق تأمين استمرارية العمل في هيئة إدارة السّير والآليات. إلّا أنّ ذلك لم يفض وفقاً للمعلومات الى حلّ النزاعات المالية السابقة، والتي أحالها ديوان المحاسبة الى النيابة العامة التمييزية للتوسّع بالتحقيق بشأنها.
وعليه تمّ التوافق على بدل خدمة ستتقاضاه الشركة لقاء إصدار رخص السّير والسّوق الإلكترونية ولوحات التسجيل الآمنة. وقد حدّدت وفقاً لمحضر اجتماع مجلس إدارة الهيئة في 5 تشرين الأول الماضي على الشكل التالي:
بدل إصدار رخصة سوق (من ضمنها الرخص المجدّدة): 1,800,000 ل.ل.
بدل إصدار رخصة السّير: 1,400,000 ل.ل.
بدل إصدار لوحتي تسجيل آمنتين: 1,800,000 ل.ل
بدل إصدار لاصقة إلكترونية: 1,000,000 ل.ل.
بدل إصدار رخصة سوق دولية: 1,500,000 ل.ل.
بدل استمارة رخصة سوق للخارج: 500,000 ل.ل. وتشير المصادر في المقابل الى أنّ تحديد هذه البدلات يتناغم مع القرار 13 الصادر عن الحكومة، والذي يعنى بمعالجة تداعيات انهيار قيمة العملة اللبنانية على عقود الأشغال والخدمات العامة الموقّعة مع الدولة. إذ رأى ديوان المحاسبة في قراره الصادر خلال شهر أيلول أنه ينطبق على أعمال الشركة. وبالتالي أوصى بتكييف عقد INKRIPT من ضمن عقود التشغيل التي تؤمّن الخدمات.
ويبدو أنّ الهيئة قرّرت تحميل المواطن مباشرة كلفة هذه الزيادة، من خلال اعتمادها آلية جديدة في تسديد الرسوم، عبر وصل خاص يصدر باسمها ويستوفى لمصلحة الشركة، وهو منفصل عن وصل ثانٍ يصدر بقيمة الرسوم المحددة قانوناً، لصالح خزينة الدولة.
هذا مع العلم أنّه من ضمن الآلية الجديدة أيضاً تسديد الرسوم عبر شركات تحويل الأموال، وليس لدى صندوق الهيئة، لكون الهيئة ليس لديها الكادر الوظيفي وصناديق ومحاسبين، وإدارتها الجديدة لا ترغب في الدخول بهذه «المعمعة»، ولذلك إضطرّت للإلتجاء الى شركات تحويل الأموال حتى تخفّف العبء عن نفسها وعن المواطنين.
مصير تقرير «الديوان»
إلا أنّ تطبيق القرار 13 في التعاملات المالية الآنية مع شركة «إنكربت»، لا يعني تنفيذ كافة توصيات ديوان المحاسبة في الرأي الذي قدّمه للهيئة بموضوع الشركة وأدائها في العمل، حيث حمّلها مسؤولية البلبلة التي تسبّبت فيها، والخسارة التي ألحقتها بخزينة الدولة لدى توقّفها عن العمل. كما أنه لا يعفي «إنكربت» من عملية التدقيق في الحسابات القديمة التي أوصى بها أيضاً ديوان المحاسبة، وخصوصاً للتأكد من كون المبالغ التي تقاضتها خلال مراحل إدارتها القطاع والتي بلغت 184 مليار ليرة، موازية فعلاً لحجم السلعة التي قدّمتها للدولة.
كما قدّم الديوان في تقريره أيضاً رأياً حول المهلة القانونية لانتهاء العقد، في وقت لم يتوضّح بعد المسوّغ القانوني الذي جعل الإدارة تستمرّ في اللجوء الى خدمات الشركة في تسيير أمورها على رغم انقضاء هذه المهلة، وإهمالها بالتالي خطوة إطلاق مناقصة جديدة كما أوصى بذلك الديوان أيضاً.
وهذه الملفات وغيرها ستبقى مطروحة للنقاش، وخصوصاً على طاولة لجنة تقصّي الحقائق في عمل «إنكربت»، والتي ذكر أنها قد تستأنف اجتماعاتها خلال الأسبوع المقبل… مقابل بقاء إدارة النافعة تحت تأثير تداعيات كل الإرتكابات السابقة، والتي تجعل من انطلاقة عملها مجدداً محفوفة أيضاً بمخاطر توقف هذا العمل في أي لحظة.