يوم قرر خالد أن يُضرم النار بجسده كان قد بلغ قمة اليأس. حدث ذلك منذ ثلاثة أعوام، عندما حجز عنصر من قوى الأمن الداخلي سيارته الـ “مرسيدس C-230” البيضاء اللون “اللف”، وهي مصدر رزقه الوحيد للبقاء في بلد الفناء المستمر. بلد تُصادر فيه سيارات الناس إلى الأبد، فعندما تدخل مركبة بؤرة حجز، فإنها تدخل إلى الأبد، ويصبح من المستحيل استعادتها.
يعود خالد بذاكرته إلى تفاصيل ذلك اليوم: “يومها استيقظت على بكاء ابني الصغير وهلع أمه الممزوج بصلوات أمي ودعواتها. ارتفعت حرارته ليلاً واستمر بالتقيؤ لساعات. أتذكر أنني لم أسل عن أي شيء، بل ارتديت ملابسي على عجل وخرجت من البيت. في الطريق تضرعت إلى ربي أن تتحسن حالته وألّا أضطر لإدخاله إلى المستشفى، فليس في جيبي فلس واحد”. ينفث خالد دخان سيجارته ويكمل ساخراً: “كان يوماً كارثياً.. مثل معظم أيامنا الحالية. واكتمل البؤس عندما وصل دركي ورآني قد ركنت سيارتي في موقع مخالف. قبل الـ”مرحبا”، طلب مني أن أسلّمه أوراق السيارة، وطبعاً أنا مدين للدولة برسوم ميكانيك لم أدفعها منذ سنوات، لأنني لا أملك المال لإطعام أولادي فكيف لي أن أدفع ما عليّ. وعلى الرغم من ذلك، قال لي الدركي أنه سيحجز السيارة”.
حال خالد لم تتغيّر لكن أحوال البلد تغيّرت فعلاً. ساءت أضعافاً، ولا يزال خالد يجاهد للبقاء وتأمين أساسيات العيش لزوجته وأطفاله من خلال “التتكيس” على سيارته. ثروته الوحيدة فكيف يُضحي فيها؟ يقول، ثم يضيف: “كلنا نعرف أن دخول سيارة إلى الحجز يعني خسارتها إلى الأبد. فإذا لم يتم بيعها في المزاد العلني ببلاش، سيضطر صاحبها إلى دفع “ما فوقه وما تحته” لتأمين المبلغ المطلوب لإخراجها، وهو يتضمن رسوم الميكانيك المتراكمة مع غرامات التأخير، فضلاً عن رسوم الركن في بؤرة الحجز”. بلوعة وانفعال يكمل خالد القصة: “مشكلتي ليست مع الدركي بل مع هذا النظام المفلس، الذي يصرّ على مضاعفة فقرنا فقراً. يعني معقول أترك له السيارة وابني في المنزل يئن مرضاً ووجعاً؟ هددته إن صادر السيارة سأحرق نفسي. الموت أهون من الاستمرار في هذا البلد. أخرجت عبوة المازوت من السيارة وسكبتها فوق جسدي”.
قصة خالد، تشبه قصص كثيرين يركنون سياراتهم على جنب الطرق عند معرفتهم بوجود حاجز لقوى الأمن الداخلي، خوفاً من مصادرة سياراتهم وحجزها. فماذا يحدث في بؤر الحجز؟
عدد مرائب الحجز المعمول بها في لبنان يبلغ /112/ مرأباً موزعة بين الشمال (30 مرأباً) والجنوب (15 مرأباً) وجبل لبنان (41 مرأباً) والبقاع (21 مرأباً) وبيروت (5 مرائب). وتميّز شعبة العلاقات العامة في قوى الأمن الداخلي بين حجز سيارة واحتجازها، فكلّ مركبة تُحجز بالاستناد إلى قانون السير لا يرفع عنها الحجز إلا بقرار من المحكمة ذات الصلاحية، أما احتجاز المركبات فيتمُّ رفعه بإشعار من رئيس القطعة التابع لها منظم المحضر بعد تثبته من إزالة المخالفة التي استوجبت الاحتجاز. أما الحالات التي يتمّ فيها حجز أو احتجاز سيارة أو دراجة آلية فهي محددة في جداول مخالفات السير الملحقة بقانون السير رقم 243 تاريخ 22/11/2012. فعلى سبيل المثال، من المخالفات التي تستوجب الاحتجاز: تزويد المركبات بأجهزة إنارة أو إشارة غير مسموح بها، وجود عاكسات أو مصابيح إضافية، عدم وجود رقم المحرك المتسلسل. أما من المخالفات التي تستوجب الحجز: قيادة مركبة تحت تأثير الكحول بنسبة تتعدى 41 في المئة، قيادة مركبة تحت تأثير المخدرات، قيادة مركبة من دون حيازة رخصة سوق.
ولفكّ احتجاز المركبات، على المخالِف إزالة المخالفة التي استوجبت الاحتجاز، وبعد تثبت رئيس القطعة التابع لها منظم المحضر من إزالة المخالفة يعطي المخالف إشعاراً لاستلام المركبة من مرأب الحجز. وعلى المخالف إزالة المخالفة خلال ثلاثين يوماً من تاريخ تنظيم المحضر، وفي حال لم تتم إزالتها خلال المدة المحددة يتحوّل الاحتجاز إلى حجز، وعندها على المخالف الاستحصال على قرار من المحكمة المختصة يقضي بفك حجز المركبة. كذلك بالنسبة إلى المركبات المحجوزة، على المخالف إزالة المخالفة والاستحصال على قرار من المحكمة المختصّة لفكّ حجز المركبة، بعد تسديد قيمة الغرامة المحددة لهذه المخالفة. إن المركبات التي ينظّم بحق أصحابها محاضر سير تستوجب حجزها أو احتجازها، وبحسب الشعبة، يتم ارسال هذه المركبات إلى مرائب الحجز وبعد قيام المخالفين بتسوية أوضاعهم وإزالة المخالفة يتم تسليمهم مركباتهم، ولا تصبح مملوكة من قبل مؤسسة قوى الأمن الداخلي. واستناداً الى المادة 49 من التعليمات رقم 375 تاريخ 13/12/2002 (خدمة السير في قوى الأمن الداخلي) تقوم بعض قطعات قوى الأمن الداخلي تنفيذاً للمهام الموكلة اليها بموجب القوانين والانظمة باحتجاز آليات (مركبات / دراجات آلية / الخ) في باحات ومرائب خاصة، بسبب عدم انطباق وضع هذه الآليات على الاحكام القانونية، ويستمرّ احتجازها لأكثر من سنة لا يتقدم خلالها أحد للمراجعة بشأنها أو استلامها مما يعرضها لاحقاً للتلف. وان بعض هذه الآليات يمكن استخدامها في قطعات قوى الأمن بعد اخذ موافقة القضاء المختصّ واجراء تسوية مع مالك او مستثمر المرأب. وإذا قام مالك المركبة بتسوية أوضاعها قانونياً تسلّم إليه بعد تقديمه طلباً مرفقاً بكافة المستندات الى المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي – شعبة الخدمة والعمليات.
المزاد العلني: سيارات من نصيب “المحظيين”
إستناداً إلى المادة السابعة من المرسوم رقم 780 تاريخ 1971/ 3 / 12 المعدلة بالمرسوم رقم 8949 تاريخ 1974 /9 /25 والمرسوم رقم 6271 تاريخ 2011 /9/ 6 على رئيس القطعة التابع لها منظمو المحضر أن يطلب الى رئيس دائرة التنفيذ الواقعة في منطقته بيع كل مركبة من المركبات المنظم بها محضر حجز أو احتجاز بموجب أحكام قوانين السير، إذا تبين من قيود القطعة أنه انقضى على ايداعها المرأب أكثر من سنة. يتم البيع بالمزاد العلني وفقاً لإجراءات بيع الاموال المنقولة المنصوص عليها في قانون أصول المحاكمات المدنية من دون الحاجة لإنذار إجرائي، على أن يتضمن الإعلان عن البيع، عند وجود دراجات آلية بين المركبات المعروضة للبيع لا تتجاوز قيمتها الخمسمائة ألف ليرة لبنانية. إن هذه الدراجات لا يمكن إعادتها إلى السير وأن على مشتريها أن يقوم بتفكيكها إلى قطع قبل استلامها وتعطيل أرقام هياكلها وكبسها على نفقته، فيصار إلى تسليمه قطع الدراجات الآلية والهياكل التي عطلت أرقامها وكبست وكل ذلك تحت إشراف دائرة التنفيذ.
يجري تخمين قيمة المركبة المطلوب بيعها، من قبل مصلحة تسجيل السيارات والآليات بما فيها الدراجات الآلية التي سوف يتم تفكيكها. يمكن لرئيس دائرة التنفيذ أن يكتفي بنشر اعلان البيع في الجريدة الرسمية فقط ويتم النشر من دون بدل. كذلك، على رئيس القطعة التي يتبع لها منظمو المحضر أن ينظم جدولاً بالمركبات المحجوزة والمحتجزة والمودعة في المرائب، والتي انقضى على ايداعها هناك أكثر من سنتين ولم تُبع في المزاد العلني خلال سنة من تاريخ طلب بيعها، المفروض بمقتضى المادتين 7 و8 من المرسوم رقم 780 تاريخ 12/3/1971 وتعديلاته. يتضمن هذا الجدول كلاً من المركبات المودعة في المرائب غير المأجورة والمركبات المودعة في المرائب المأجورة، التي يوافق أصحابها على التخلي عن أجرة إيوائها بموجب كتاب خطي موقع منهم يسلم الى رئيس القطعة.
يرفع الجدول الى المديرية العامة لقوى الامن الداخلي التي تقوم بتوحيد الجداول الواردة من مختلف القطع وتطرح هذه المركبات للبيع بالمزاد دفعة واحدة، أو على عدة دفعات بواسطة المكتب المختص في هذه المديرية العامة وفقاً للإجراءات المتبعة لديه، على أن يقوم المشتري عند وجود دراجات نارية بين المركبات التي اشتراها بتفكيكها الى قطع وتعطيل ارقام هياكلها، وكبس هذه الهياكل على نفقته قبل تسليمه إياها، وذلك تحت اشراف المديرية العامة المذكورة. أما المركبات التي لا تباع بعد طرحها بالمزاد العلني لمرة واحدة فتتلف عن طريق الكبس بعد تعطيل ارقام الهياكل. في حال تبين وجود مركبات او دراجات رسومها الجمركية غير مدفوعة تبقى موضوع اشعار لإدارة الجمارك لاستيفاء حقها في الرسوم وفقاً لأحكام قانون الجمارك. ويعود ثمن البيع بالمزاد الى خزينة الدولة.
وبحسب شعبة العلاقات العامة، يحق لأي مواطن الاشتراك في المزاد العلني، وبعد أن يرسو عليه البيع في المزاد يقوم صاحب العلاقة بالاستحصال من دائرة التنفيذ على قرار البيع المتضمّن تحديد كامل هوية الشخص المعني ومعلومات عن المركبة وقيمة التخمين، ومن ثم يتوجه إلى مصلحة تسجيل السيارات والآليات للاستحصال على استمارة المركبة التي اشتراها لإجراء المعاينة الميكانيكية لها وإتمام عملية التسجيل. لكن على أرض الواقع، غالباً ما يتم بيع السيارات إلى عدد من المحظيين المقربين من الأشخاص المولجين حماية المرأب، والذين يعرفون قبل سواهم مواعيد افتتاح المزاد العلني. وهو ما يعتبره البعض مخالفة لأحكام القوانين.