لا عجب ان استيقظت ووجدت سيارتك مسروقة، ولا استغراب إن اختفت دراجتك النارية، أو حتى ان سرق الابن اهله لأجل جرعة مخدرات، فهذا ما آلت اليه حال معظم القرى الجنوبية اليوم، التي دخلت الى قانون «الحرامية» الذين يستولون على سيارات الناس ويختفي اثرها. من كفررمان الى تول والدوير وحاروف والنبطية وغيرها السرقات «بالجملة والمفرق» وقد باتت تزعزع استقرار قرى النبطية، حولت حياة الناس جحيماً، فسياراتهم باتت في مرمى «الحرامية» الذين يسرحون ويمرحون، وسط عجز واضح عن لجم هذه الظاهرة التي ربما انتجتها الازمة، وبدأت تتفاقم يوماً بعد آخر، لم يسلم منها حتى اسلاك الحديد التي تزنّر حقول الالغام.
بالجملة ينفذ «الحرامية» جريمتهم، يسرقون السيارة، يفككونها، يبيعونها للكسر بالفريش دولار، فيما المواطن يأكل الضرب ولا من يعوض له خسارته، فهل بتنا أمام قانون الحرامية الجديد؟
لم يستوعب رامي بعد ان سيارته سرقت من امام منزله في كفررمان، ما زال تحت وقع الصدمة، سيما وان رؤية «الحرامية» تطورت، وباتت تستهدف السيارات الى جانب الدراجات النارية وغيرها من السرقات. ليست المرة الاولى التي تحصل فيها سرقة سيارات في هذه البلدة، حيث سجلت سرقة اكثر من 5 سيارات في غضون شهر. علي احد اصحاب السيارات المسروقة، يؤكد ان السرقات «شغالة» وعلى عين الجميع، لافتاً الى انه خسر 25 الف دولار جراء سرقة سيارته وفي داخلها 15 الف دولار، بحسبه «صرنا ببلد فلتان والحرامية صاروا أقوى من الامن هذه الايام، فلا احد يقوى عليهم».
عادة ما يستغل الحرامية الذين تكاثروا بشكل كبير هذه الايام الثغرات الأمنية، والمتمثلة بكاميرات المراقبة، غياب دوريات الشرطة، اضافة الى العنصر الاهم غياب الكهرباء، ووفق مصادر امنية فإن معظم الحرامية هم من المدمنين على المخدرات، الذين تتمحور سرقاتهم حول الدراجات النارية والمال والتلفزيونات وغيرها، وتلفت المصادر الى ان ملف التعاطي لا يحظى باهتمام هذه الايام، وهو ما وسع بيكار السرقات وتوابعها، والتي باتت ظاهرة تؤرق حياة الناس، اذ تحولت يومياتهم « فيلم اكشن»، فالسرقات تتم بالجملة وفي توقيت واحد ومنظم، الامر الذي يدفع للتساؤل «من يحمي الحرامية، ومن يؤمن الحماية للناس؟».
نفد صبر علي هذه الايام، فقد بات يعيش رعب السرقات، خسر سيارته قبل شهر تقريباً، واليوم جاره في نفس المبنى خسر سيارته، وقبله شاب آخر، كل الاستغاثات التي اطلقها لم تنفع، بقيت السرقات «شغالة» و»ع المكشوف» كما يقول، سائلاً «من يحمي رزقنا من الحرامية، هل بات علينا النوم قرب السيارات وقرب ممتلكاتنا هذه الايام؟».
احد لا ينكر خطورة السرقات التي تشهدها القرى كافة، وقد باتت تهدد الأمن المجتمعي، خاصة وأن السرقات لم تعد تقتصر على جرة غاز وقسطل واسلاك كهربائية، بل تجاوزتها كثيرا والتصويب على السيارات التي عادة ما يجري فكفكتها وبيع قطعها بالفريش دولار، وهو أمر بالغ الخطورة على ما تقول مصادر امنية، خاصة وان الحرامية باتوا لا يخشون التوقيف، «رسمالها يومين وبيطلع بسند كفالة»، عازين الامر «الى اكتظاظ السجون التي لم تعد تتسع لأي حرامي هذه الايام، وهذا عامل اضافي للتفلت الحاصل».
دخلت أزمة «الحرامية» على خط الازمات، ومعها دخل الناس في ازمة خوف على املاكهم، فالسرقات عادة ما تكون «اهلية بمحلية»، وتقسم الى قسمين: الاول «سرقة المدمنين» والتي عادة ما يلجأون لها لتأمين بدل ثمن المخدرات، فالمدمن يسرق أهله، وهذا ما سجل في احدى القرى حيث اقدم شاب مدمن على سرقة امه، وسرقة جهاز التلفاز من المنزل، فالمخدرات عادت لتنتشر بكثافة في المنطقة، وتحديداً في صفوف الشباب، وهو امر اكثر خطورة اليوم، خاصة في ظل التراخي في هذا الملف.
والقسم الثاني وهو أخطر يتمحور حول سرقة السيارات، ففي بلدة تول سرقت سيارتان ودراجة نارية في ليلة واحدة، وسط ذهول الاهالي مما يحصل، وبحسب محمد «بتنا امام مفترق خطير، السرقات تتزايد، والامن مفقود»، واكثر يقول «الحرامية محترفون، معظمهم مدعوم، وهذا ما يبرر عدم القاء القبض على اي عصابة حتى الآن»، لافتاً الى ان « الناس مرعوبة».
تطورت جمهورية الحرامية، تحولت اخطر جمهورية اليوم، الحكم فيها للخارحين عن القانون والمسؤولية تقع على البلديات والاحزاب والقوى الامنية، بل على غياب الدولة وقد غاب اثرها الفاعل عن الارض بفعل التدهور المعيشي، وعليه غاب القانون، سرح الحرامية، فالسجون لا تتسع لهم، والقبض عليهم بات لا يكلف سوى اسبوعي حجز ويخرجون بسند اقامة، أما المواطن فهو الخاسر الوحيد، فهل دحلنا زمن الفوضى؟