بدت الدولة اخيرا وكأنها مرتع للاوبئة حيث ان الادارة مسرطنة بدوائر اين منها السمك الفاسد واللحوم خالصة الصلاحية، وصولا الى كل ما يخطر على بال انسان سوي، الى الحد الذي يستدعي شكر وزير الصحة وائل ابو فاعور الذي فتح الاعين على موضوع رداءة الغذاء ما استدعى تحرك القضاء للاقتصاص من المستفيدين من هذه الاوبئة التي تتجاوز في مضارها الاوبئة السياسية التي تكاد تقضي على اخضر لبنان ويابسه، حتى وان كان المقصود الوبأ المستشري في مجلس النواب الذي لم يعد يعرف انه مطالب بانتخاب رئيس للجمهورية؟!
هل يعقل ان يكون كل ما هو لبناني فاسدا ان لجهة الادارة والمراقبة والوظيفة العامة التي نخرها السوس المذهبي مع ما يعنيه ذلك من استحالة اصلاح الاخطاء التي تكاد تفتك بالانسان اللبناني الفاقد المناعة السياسية والادارية بحسب ما ظهر من خلال ما كشفه ابو فاعور من فضائح رشوة وتخزين طحين ومواد غذائية اخرى فاسدة من دون المحافظة على اقل معدل من النظافة وقد اخذ في طريقه كل ما من شأنه ان يقال عنه انه غذاء ليصل المواطن العادي الى حد القناعة بانه متروك لقدره!
وهل يعقل ايضا ان تستمر حال الادارة ومعها اوضاع موظفي الدولة على حالها، لاسيما ان المواطن لم يسمع اي اجراء قانوني بحق المخالفين وبحق من يتستر عليهم، حيث تقتصر الاجراءات على اقفال محل صاحبه غير مسنود من سياسي، وحدث ولا حرج عن اولئك الذين يتلاعبون بالوظيفة العامة من دون ان يطاولهم اجراء اداري، كي لا يقال مثلا ان فلانا من هذه الطائفة لحق به اجراء، وهذه النقطة الحساسة باتت محل تساؤل كونها متفشية في مختلف ادارات الدولة، فكيف الحال بالنسبة الى المصالح والشؤون الخاصة!
عندما يقال ان هذا الموظف ملاحق، يكون سؤال «ماذا فعل اكثر من غيره من كبار التجار والصناعيين الذين طاولهم الانتقاد بصورة اجمالية لان ما كشفته تقارير رسمية يكاد يشبه كل شيء باستثناء ما علم عن المادة المسرطنة، وهي ان جاء الكشف على مواد مشعة في وقت واحد في منطقة عدلون الواقعة في النطاق الاجتماعي والسياسي لرئيس مجلس النواب نبيه بري، مع ما يعنيه ذلك من ان لا مجال امام هرب اي انسان من الوبأ المنتشر في طول لبنان وعرضه؟!
اما قصص الدوائر العقارية فهي شكل ثانٍ، حيث التلاعب بمالية الدولة ضاربا اطنابه، من غير ان يعلن اي مسؤول عما لحق بالمتلاعبين من اجراءات لحماية المال العام – بعد طول كلام على دوائر الشحن والتخزين في مطار بيروت والبقية الباقية من المرافئ حيث يعج الفساد ويضج الفاسدون من غير ان يسأل احد عما اذا كانت الدولة في صدد اتخاذ اجراء بحق المسؤولين عن المخالفات وعن سرقة المال العام جراء التلاعب ببيانات الادخال والاخراج لما فيه مصلحة بعض ازلام الاحزاب والتنظيمات!
هذا الموضوع مثل غيره لا يسمح بان يترك على ما هو عليه، لان الذين كشفوا عن المخالفات لم يعودوا قادرين على التستر عليها، خصوصا ان ارقامها تكاد توازي في الشهر الوحد مدخول سنة كاملة الى هذه الادارة العامة، طالما ان هناك من يسمح لنفسه بان يخالف القانون سعيا وراء مصلحة خاصة، وهذا الشيء يحسب بالنسبة الى هذا التحالف او ذاك بارقام مالية ضخمة يكدسها بعضهم في حساباته الخاصة، وليس من يسأله من اين جاء بهذه الاموال؟
وفي مقابل هذا الضحل في الادارة العامة، اصبح من الواجب الانتباه الى مالية الدولة التي تذهب فرق عملة بالنسبة الى التعويضات التي تأكل من خزينة الدولة في حدود 47 في المئة من المال العام، ومثل هكذا تصرف يسمح لموظف مدني او عسكري ان يقبض تعويضات خيالية غير موجودة في اية دولة من دول العالم الراقي، ولا حاجة لسؤال احد عن هذا البذخ طالما ان مجلس النواب قد افسح المجال لان يتقاضى النواب السابقون رواتب مثلهم او اقل نسبيا من النواب الحاليين، من غير معرفة مصدر هذا الاجتهاد الذي لا سابق له في حياة اية دولة غنية او فقيرة لا فرق؟!
لذا، يقال بصريح العبارة ان دولتنا مسرطنة في سياسييها وقادتها وموظفيها واداراتها وليس بوسع احد الدفاع عن نفسه لانه واقع من ضمن ما عليهم مآخذ مالية وتلاعب بالمال العام ومن بعدهم الطوفان الذي يتأثر به معظم المواطنين اللبنانيين كي لا نقول انه يطاول كل ما يأكله اللبناني العادي تحت سمع الدولة وبصرها، لاسيما ان الامور سائرة الى الوراء قياسا على كل ما هو قائم في لبنان؟!