IMLebanon

بطاقات لأعياد مضجرة

 

تختنق الشوارع اللبنانيّة بازدحامٍ سياراتٍ تقف مكانها، تحوّل لبنان إلى موقف سيارات كبير موقعه في منتصف الطريق، أضواء السيارات تمتدّ من النهر الكبير إلى الناقورة، ولا حلول في المدى المنظور ولا البعيد حتّى، عجقة أعياد وحراك من دون سيولة، اللبنانيّون يعيشون أياماً اقتصاديّة سيئة، وقد تمرّنوا على تجرّع كلّ أنواع الحسرات، وحدهم الأطفال في بيوتنا يبعثون الفرح ويمدّوننا ببهجة أعياد مرتجاة.

 

تتنقّل الأزمات اللبنانيّة «من قرنة لقرنة» لا بُدّ من شيءٍ ما يُعبّىء الفراغ اللبناني، ويملأ الفراغ بكلمات ما، هذه المرّة لعبة الدور كلمة «دورة 1994»، مشاكسة وتمرّ، بالأساس الرئاستين الأولى والثانية «مش طيبات» فيما بينهما، الاتفاق هو المفارقة، وعدم الاتفاق هو الطبيعي، وليس هناك ما يُقلق في هذا، أمّا الحديث عن «الطائف» فمن باب البكاء على أطلال على اتفاق لم يُطبّق أبداً، وتمّ تعطيله بالمثالثة منذ الترويكا انتهاءً بتوقيع «إجباري» شيعي لوزير المالية، بعد قرار الثنائية الشيعيّة ببقاء هذه الوزارة من حصتها، لفرض مثالثة طائفيّة بين التوقيعين السنّي والماروني، وهو أمرٌ حذّرنا منه منذ معركة تشكيل الحكومة القائمة!

هذا الشعب بالرّغم من كلّ معاناته وضائقاته لا يضجر ولا ييأس ولا يستسلم ولا أحد بالنسبة له يستطيع أن يمنع نسائم الحرية عن السريان، ولا أحد يستطيع أن يمنع الأنهار من الجريان، هو شعب يجري في مصبات الحياة، وعمر هذا الشعب من عمر لبنان وكل الذين مارسوا القهر عليه رحلوا، أيها الشعب العظيم في زمن الأعياد والرّجاء «لا تحزن إنّ الله معنا»..

ما يبعث على الأمل، هو أنّ «دوام الحال من المحال» وتذكروا أن الرئاسات لا تدوم.. والشعب اللبناني لا ينسى.. والحديث المملّ عن تحالف خماسي يشبه «خيبات» التحالف الرباعي، في هذا البلد «لا أحد يخسر»، علّمتنا تجارب لبنان أن التسويات تفرض نفسها مهما تطاحن الفرقاء على الحصص، هذه حقيقة يعرفها الجميع، هذا بلد لا غالب ولا مغلوب، ونقطة على السطر!

الغائب الأكبر في الحديث عن الأعياد هم اهالي شهداء الجيش، تلك الجثث الذي أعادوا رفاتها في أيلول الماضي، ولم يتذكّر أحد أهاليهم، هذه السنة غابت كاميرات الشاشات عن وجوه الأهالي الذين أمضوا أعيادهم ثلاث سنوات في خيمة على الطريق ينتظرون خبراً عن الغائبين، حتى أعادوا لهم ما تبقّى من عظامهم، من المعيب أن لا تتذكّر الدولة هؤلاء، وأن لا تقف على خاطر الأهل المفجوعين، رجالنا، أبناؤنا، وأحبتهم، وذووهم، أمهاتهم، زوجاتهم، أبناؤهم، أهلنا وإخوتنا، سامحونا، نتمنى فقط أن تتأكدوا أن الشعب اللبناني يفتخر بدماء أبنائكم، وباستشهادهم من أجله ومن أجل لبنان.. صار للوطن ولنا حماة وسياج وملاذ..

مضجرة أعيادنا، في كانون الأول وحده نرثي شهداء ثلاثة جبران تويني واللواء فرانسوا الحاج في 12 كانون الأول، وبالأمس الدكتور محمّد شطح، تأتي الأعياد، والرجال الذين ماتوا.. ماتوا.. قد يبدو أن اللبنانيّون نسوْا غابة الشهداء وسط هذا الانزياح في المشهد الدّاخلي، والحقيقة ليست كذلك، الدماء تبقى حارّة وللشعوب كبواتها، والذين غادرونا أحياء عند ربهم، ودماؤهم أمانة في أعناق اللبنانيين، وإنّهم مهما ظننتم حيث أنتم أنهم هانوا أو استكانوا، أو يئسوا، أو أحبطوا، ومهما ظنّ قاتلكم أنهم انهزموا ستفاجئه لحظة ينتفض بها ـ مهما تأخّرت ـ شعبكم العظيم مارداً ليقوم من بين رماد الأحزان.