كلّما زادت وتيرة الخلافات بين أركان السلطة وتأخر تشكيل الحكومة العتيدة واقترب موعد الإستحقاق الرئاسي، إرتفع منسوب الإجتهادات الدستورية والنقاش الذي يُصبح لادستورياً أحياناً حول مدى إمكانية ممارسة حكومة تصريف الأعمال الحالية صلاحياتها كمجلس وزراء في حال حصل الشغور الرئاسي، بمعنى تعذر انتخاب المجلس النيابي رئيساً للجمهورية عملاً بأحكام المواد 73 و74 و75 من الدستور، وهو ما أشار إليه الدستور في المادة 62 بقولها: «في حال خلو سدة الرئاسة لأيّ علة كانت، تُناط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالةً بمجلس الوزراء».
كثيرة هي الأسئلة التي قد تُطرح وكثيرة هي الأفكار والإجتهادات والتفسيرات للنصوص الدستورية في حال استمر النكد السياسي وشل البلد ومؤسساته، وبالتالي فمن الطبيعي أن يبدأ كل طرف أو فريق سياسي بالترويج لبعض الأفكار التي تناسبه وليس بالضرورة أن تنسجم مع الدستور الذي يتحول عند كل مفترق واستحقاق، وجهة نظر لدى غالبية القوى السياسية.
وعطفاً على ما تقدم، فقد بدأ بعض القوى السياسية البحث عن اجتهادات دستورية تؤكّد أن حكومة تصريف الأعمال الحالية تستطيع ممارسة كل صلاحيات الرئيس، إستناداً إلى المادة 62 من الدستور.
وتقول مصادر دستورية إنه «في حال تشكلت الحكومة ونالت الثقة، نكون أمام حكومة مكتملة الصلاحيات تستطيع أن تمارس صلاحيات الرئيس في حالة الشغور، أما بالنسبة للحكومة المستقيلة فهي لا تستطيع أن تمارس كل صلاحياتها، وبالتالي لا يمكنها أن تتسلّم صلاحيات رئيس الجمهورية».
ومن مؤيدي هذا الرأي الخبير الدستوري الدكتور حسن الرفاعي الذي كان له موقف بهذا الشأن منذ العام 2013 عندما كانت أجواء البلاد تتجه نحو الفراغ الرئاسي الذي بدأ العام 2014 واستمر حتى العام 2016 ، ويقول إن»حكومة تصريف الأعمال هي عملياً حكومة ميتة تكلف تصريف أعمال محدودة وفقاً للدستور، أما صلاحيات رئيس الجمهورية فهي كاملة في الدستور ولا يمكن أن تنقص، وحكومة تصريف الأعمال لا يمكنها أن تتولى صلاحيات رئيس الجمهورية وفقاً لأحكام الدستور، ولكي تتسلم صلاحيات رئيس الجمهورية يجب أن تكون شرعية وحائزة ثقة مجلس النواب».
أما الوزير السابق زياد بارود فيؤكد أن»نص المادة 62 لا يُميز بين حكومة مكتملة الصلاحيات أو حكومة تصريف أعمال، وبين تصريف الأعمال والفراغ الكامل، من الأفضل أن تكون هناك جهة بالبلاد تتولّى زمام الأمور».
ويُذكر بارود بأن المادة 64 من الدستور تقول إن «الحكومة لا تمارس صلاحياتها قبل نيلها الثقة ولا بعد استقالتها أو اعتبارها مستقيلة إلا بالمعنى الضيق لتصريف الأعمال»، من دون تحديد الأعمال.
كما يُشير إلى اجتهادات لمجلس شورى الدولة صدرت عامَي 1969 و1995 تحدث فيها عن المعنى الضيق، حيث ميز بين الأعمال الإدارية والأعمال التصريفية، وهي الأمور الملحة التي ترتبط بسلامة البلاد وأمنها أو ترتبط بمهل دستورية».
وبين هذا الإجتهاد وذاك، هناك من يطرح إشكالية دستورية قد تعيق تأليف الحكومة أو نيلها الثقة وتحولها حكومة أصيلة، وهي تحول المجلس النيابي هيئة ناخبة فور بداية الستين يوماً التي تسبق نهاية ولاية رئيس الجمهورية، وفقاً لنص المادة 75 من الدستور التي تقول: «إن المجلس الملتئم لانتخاب رئيس الجمهورية يعتبر هيئة إنتخابية لا هيئة إشتراعية ويترتب عليه الشروع حالاً في انتخاب رئيس الدولة من دون مناقشة أو أي عمل آخر».
وعلى الرغم من أن تفسير هذا النص فيه تقريباً شبه إجماع بأنه ينطبق على جلسات مجلس النواب المخصصة بموجب دعوة رئيسه لانتخاب رئيس الجمهورية، وليس بجميع جلسات البرلمان، إلا أن ذلك لا يمنع من طرح الأسئلة التالية: ماذا لو بقي الوضع على حاله حتى 31 آب المقبل؟ وكيف ستنال الحكومة الثقة؟ وهل تبقى حكومة معلقة على نيل الثقة وإنتخاب رئيس جديد للجمهورية؟ وهل يُمكن لحكومة تصريف الأعمال أن توسع نطاق عملها على قاعدة ضمان استمرارية المرفق العام وهي غير خاضعة لمساءلة مجلس النواب؟؟ كما أنها حكومة كانت تعمل قبل اعتبارها مستقيلة بثقة مجلس نيابي إنتهت ولايته وسلم الامانة إلى مجلس جديد عبر الإنتخابات الأخيرة.
ولأن الإجتهادات والآراء الفقهية والدستورية ومعها السياسية كثيرة ومنها مثلاً من يرى أن أي حكومة تُعتبر مستقيلة عند انتهاء ولاية الرئيس، علماً أن نص المادة 69 من الدستور والتي تحدثت في الفقرة (د) عن الحالات التي تعتبر فيها الحكومة مستقيلة، قالت: «عند بدء ولاية رئيس الجمهورية»، وليس عند انتهاء ولاية الرئيس.
وتفادياً لمزيد من الهرطقات الدستورية واجتهادات غب الطلب، فإن المطلوب والصحيح الذي يضع الامور في نصابها الطبيعي، هو الإسراع في تشكيل حكومة سريعاً ونيلها ثقة مجلس النواب لتصبح كاملة الصلاحيات، ثم البدء بالمسار الدستوري المرتبط بالإستحقاق الرئاسي عندما تحين المواعيد الدستورية، وغير ذلك ليس سوى تبرير للفراغ الدستوري وتمديد لعمر الأزمات التي يعاني منها اللبنانيون.