Site icon IMLebanon

ماذا لو “نُسفت” حكومة تصريف الأعمال في الساعات الأخيرة؟

 

بعد أقلّ من أربع وعشرين ساعة على انتهاء الإستشارات النيابية غير الملزمة، بدا أنّ رئيس الحكومة المكلّف نجيب ميقاتي قد حسم أمره بعدم المبادرة جدياً نحو تشكيل حكومة جديدة والإبقاء على حكومة تصريف الأعمال الحالية، بوصفها التركيبة التي تناسبه في مرحلة الفراغ الرئاسي المتوقع حصوله بعد خروج رئيس الجمهورية ميشال عون من قصر بعبدا في 31 تشرين الأول المقبل.

 

فعلياً، ذهب الرئيس ميقاتي في رهانه هذا إلى الخطوة العملية «القاتلة» حين قدّم للرئيس عون تشكيلة جاهزة، «استفزازية الطابع»، وبلا أي تشاور جدي مع القوى السياسية ومع رئاسة الجمهورية التي تتسلح بنص دستوري واضح لا يحتمل التأويل يقول إن الرئيس المكلف يشكل الحكومة بالاتفاق مع رئيس الجمهورية.

 

‏والأرجح أنّ هذه الثقة التي تحيط بحركة رئيس الحكومة المكلف، بشكل يدفع به إلى «التطنيش» ووضع يديه في ماء بارد، تنبع من الظروف المحيطة بالتكليف لجهة مداهمة الاستحقاق الرئاسي، ومن الدعم الفرنسي له وما يمكن وصفه بـ»غض النظر» الأميركي، وانعكاس ذلك على المسار الحكومي برمّته، علماً بأنّ كل محاولات ميقاتي لتزخيم الدعم ‏الفرنسي و»نصف الدعم» الأميركي، بانفتاح عربي لا سيما سعودي، تجاهه، باءت بالفشل.

 

إلّا أنّ ما لم يحسب له ميقاتي حساباً، هو أن الواقع الدستوري والسياسي في لبنان لا يسمح باقتراف خروقات دستورية قد تستدعي خروقات سياسية خطيرة على مستوى الاستقرار العام، وذلك مثلاً في حال تمّ التعامل مع حكومة مستقيلة تقوم بتصريف الأعمال وكأنها حكومة مكتملة المواصفات قد توضع بين يديها صلاحيات رئيس الجمهورية في حال حصول الفراغ كما حصل مع حكومة تمام سلام‏ في نهاية عهد الرئيس ميشال سليمان، مع العلم أنّ الأخيرة نشأت وتكوّنت وتحصّنت بتفاهمات سياسية وحظيت بكل الشروط الدستورية التي تجيز لها القيام بهذه المهمة، وهي شروط لا تتوفر لدى حكومة تصريف الأعمال التي يرأسها ميقاتي حالياً.

 

وفي هذا السياق، يقول بعض المتابعين إنّ رهانات الرئيس المكلف تتطلب توافقات سياسية كبرى «لشرعنة» الثغرات الدستورية، وأن المجلس النيابي لا يستطيع «تعويم» حكومة تصريف الأعمال لتمكينها من إدارة البلاد بلا هذه التفاهمات، كما أن التكليف الجديد سيصبح موضع سجال واجتهادات دستورية مشروعة تصل إلى حد اعتبار هذا التكليف وكأنّه لم يكن، بعد الشغور، خصوصاً أن تكليف ميقاتي كان ما دون «الأكثرية المطلقة» في عملية التسمية.

 

ويلفت بعض المتابعين إلى أنّ اللغط الذي قد يثيره واقع تسلّم حكومة تصريف أعمال صلاحيات رئيس الجمهورية، قد يدفع إلى البحث عن صياغات دستورية تحمي صلاحيات الرئاسة في حال وقع الشغور. وهنا، يتردد أنّ هناك من ينصح باعتماد بعض المخارج أو «الفتاوى» التي تحمي هذه الصلاحيات وذلك عبر سيناريوين متممين لبعضهما البعض:

 

الأول، بيان رئاسي قبيل انتهاء الولاية الرئاسية بساعات، يكلّف فيه رئيس الجمهورية مؤسسة المجلس الدستوري مهمة إدارة الفراغ واتخاذ اللازم لانتخاب رئيس جمهورية جديد، مع الإشارة هنا إلى أن المجلس الدستوري يتمتع بكل ما هو مطلوب على مستوى الميثاقية والشرعية والتوافقات السياسية.

 

الثاني، وهو خطوة مكملة من خلال قيام رئيس الجمهورية بتكليف المجلس الأعلى للدفاع بالحفاظ على الاستقرار العام في البلاد، ومساندة القرارات التي يتخذها المجلس الدستوري في مهمته الانقاذية الطارئة.

 

‏ويرى المتابعون أنّه في هذه الحالة، ستتحول حكومة تصريف الأعمال إلى «ناس من ورق»، وسيتم التعامل معها وكأنها غير موجودة، ولن يبقى أمام الرئيس المكلف الا التفرّغ لملف الطعون النيابية التي يبدو أنها تأخذ حيزاً كبيراً من اهتمامه وسط تسريبات تنقل عن محيطه تشي بأنّ هذه الطعون لن تمر «سياسياً»، في إشارة مُبطّنة الى أن المجلس الدستوري سينظر في هذه الطعون تبعاً لحسابات سياسية، وليس استناداً إلى اكتمال الملفات قانونياً وجدية الأدلة المادية التي يتضمّنها بعض هذه الطعون.

 

إشارة إلى أنّه، مع انتهاء مهلة تقديم طلبات الطعون بالانتخابات النيابية اللبنانية في 16 حزيران الماضي، كان أمام المجلس الدستوري خمسة عشر طعناً، موزّعة بين دوائر بيروت الأولى، وطرابلس، وزحلة (البقاع الأوسط)، وبعلبك – الهرمل (البقاع الشمالي)، والجنوب الأولى والجنوب الثالثة، والمتن (جبل لبنان)، وعكار. إلّا أنّ عدد الطعون الجديّة الممكن قبولها، لا يتعدى عدد أصابع اليد الواحدة، وفي طليعتها ذلك المقدّم من فيصل كرامي ضد كل من النواب رامي فنج، ايهاب مطر، فراس السلوم، والمقدّم من جاد غصن ضد رازي الحاج وأغوب بقرادونيان.

 

ويُنتظر أن يتمّ تعيين مقرر لكل طعن مقدّم، إذ وفق المادة 47 من نظامه الداخلي «على رئيس المجلس الدستوري فور ورود الطعن، أن يعين مقرراً أو أكثر عند الاقتضاء، من بين الأعضاء، لوضع تقرير في القضية». وحددت المادة 29 المعدلة من قانون إنشاء المجلس الدستوري المهلة التي يتوجب خلالها على المقرر رفع تقريره «مهلة ثلاثة أشهر على الأكثر من تكليفه ويحيله إلى رئاسة المجلس الدستوري». وبعد تسلمه التقرير فإن النظام الداخلي حدد مهلة شهر كي يصدر المجلس قراره على أن تبقى جلساته مفتوحة لحين صدور القرار.