يكرّر رئيس الجمهورية العماد ميشال عون من حين الى آخر، التأكيد انّ حكومة تصريف الاعمال لا يمكنها تولّي صلاحيات رئاسة الجمهورية في حال حصول فراغ في سدّة الرئاسة الاولى، ما يدفع البعض إلى الاعتقاد في انّه لن يغادر سدّة الرئاسة عند انتهاء ولايته، فيما بعض آخر يستبعد ذلك، ويقول انّ رئيس الجمهورية الذي أقسم على حماية «دستور الأُمّة اللبنانية» لا يمكنه الخروج على نصوصه الواضحة في هذا المضمار، خصوصاً انّ بعض معاونيه يؤكّدون انّه سيغادر القصر الجمهوري لحظة انتهاء ولايته ليل 31 تشرين الاول المقبل.
ويعلّق كثيرون على كلام عون بالقول، انّه يضمر خطوة ما سيخطوها في هذا الاتجاه اذا لم يُنتخب رئيس حلف له ضمن مهلة الستين يوماً المتبقية من ولايته التي تنتهي منتصف ليل 31 تشرين الاول المقبل، علماً انّ هذه المهلة ستبدأ منتصف ليل غد. ويرجح البعض ان تكون هذه الخطوة، إما بقاءه في القصر الجمهوري بعد انتهاء ولايته بذريعة انّ حكومة تصريف الأعمال لا يمكنها دستورياً تولّي صلاحيات رئاسة الجمهورية في حال تعذّر انتخاب رئيس جديد، وإما الذهاب الى تأليف «حكومة انتقالية» عسكرية او مدنية، مثلما فعل الرئيس السابق امين الجميل عندما شكّل حكومة عسكرية برئاسة عون عام 1988 لتعذّر انتخاب رئيس جمهورية في نهاية ولايته.
والواقع انّ عون لا يمكنه القيام بأي من هاتين الخطوتين، حسب تأكيد كثير من الاوساط السياسية من جهة، ولأنّ الدستور يمنعه من ذلك من جهة ثانية. فالدستور الحالي المنبثق من «اتفاق الطائف» ينص صراحة على انّ الحكومة (التي لم يحدّد ما إذا كانت مستقيلة تصرّف الاعمال أم دستورية) تتولّى وكالة صلاحيات رئاسة الجمهورية إلى حين انتخاب رئيس جديد يملأ الفراغ الرئاسي. والخبير القانوني والدستوري الكبير النائب السابق الدكتور حسن الرفاعي، قال قبل اسابيع لمجموعة من النواب السابقين الذين أثاروا معه هذا الامر، انّ حكومة تصريف الاعمال في إمكانها ممارسة صلاحيات رئاسة الجمهورية في حالة خلو سدّة الرئاسة لأي سبب.
كما انّ خبراء في الدستور يقولون أن لا ضير في ان تمارس حكومة تصريف الاعمال صلاحيات رئاسة الجمهورية «في الإطار الضيّق» لتصريف الاعمال، كمثل ممارستها تصريف الاعمال في مختلف المجالات من رئاستها إلى الوزارات في «الاطار الضيّق» الذي حدّده الدستور.
قبل دستور «الطائف» كانت السلطة التنفيذية مناطة برئيس الجمهورية الذي كان يتولاها بمعاونة وزراء يعيّنهم شخصياً ويختار من بينهم «رئيس الوزراء» وليس «رئيس مجلس الوزراء»، وفي هذه الحال كانت لديه صلاحية تشكيل حكومة انتقالية قبل انتهاء ولايته لتتولّى السلطة التنفيذية وصلاحيات رئاسة الجمهورية إذا تعذّر انتخاب خلف له، وقد كانت الحكومة العسكرية التي شكّلها الرئيس امين الجميل في نهاية ولايته عام 1988 آخر السوابق من هذا النوع في حقبة ما قبل «اتفاق الطائف» والدستور الذي انبثق منه، وأناط السلطة التنفيذية بمجلس الوزراء مجتمعاً، بحيث أوكل إلى المجلس ممارسة صلاحيات رئاسة الجمهورية بالوكالة في حال الفراغ في سدّتها، وتجربة حكومة الرئيس تمام سلام لا تزال ماثلة، حيث تولّت صلاحيات رئاسة الجمهورية لنحو سنتين ونصف بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان وتعذّر انتخاب رئيس خلف له طوال هذه المدة. ولكن الفارق هنا هو انّ حكومة سلام كانت دستورية وكاملة المواصفات، بعكس حكومة تصريف الاعمال الحالية، ولكنها وقعت في خطأ لم يُعرف ما إذا كان مقصوداً او غير مقصود، وتمثل في اشتراط ان لا يصدر أي قرار من مجلس الوزراء ما لم يكن موافقاً عليه جماعياً. وحلّل البعض يومها انّ تخلّف او تمنّع اي وزير عن توقيع أي قرار لا يمكن إصداره او لا يمكن ان يكون نافذاً. في حين انّ الدكتور الرفاعي يعتبر انّ هذا التصرف مخالف للدستور الذي يقول إنّ القرارات في مجلس الوزراء تُتخذ بالتوافق، وإذا تعذّر ذلك فالتصويت بالأكثرية المطلقة، اما القرارات المصيرية فلا تصدر عن المجلس ما لم تنل موافقة اكثرية ثلثي اعضاء الحكومة. وبالتالي وقع البعض في الخطأ عندما راحوا يقولون انّ كل وزير في الحكومة هو «رئيس الجمهورية» في حالة الفراغ في سدّة رئاسة الجمهورية. في حين انّ الدستور يقول انّ لرئيس الجمهورية ان يرأس جلسات مجلس الوزراء عندما يشاء، ولكن لا يحق له التصويت على القرارات، لأنّ موقعه حَكَمي بين السلطات وليس طرفاً فيها.
ولذلك، يقول المعنيون في هذا الصدد، أن لا ضير من تولّي حكومة تصريف الاعمال صلاحيات رئاسة الجمهورية في حالة الفراغ الرئاسي في الاطار الضيّق لتصريف الاعمال، بغية تسيير شؤون الدولة إلى حين انتخاب رئيس جديد، وبالتالي تأليف حكومة جديدة مكتملة المواصفات الدستورية.
وفي اي حال، لا تزال هناك فرصة لتأليف حكومة دستورية الآن، ولكنها فرصة تنتهي في لحظة توجيه رئيس مجلس النواب نبيه بري دعوة إلى المجلس لانتخاب رئيس جمهورية جديد، إذ بعد هذه الدعوة يصبح المجلس هيئة ناخبة ولا يمكنه ممارسة أي عمل تشريعي قبل انتخاب رئيس الجمهورية، وفي هذه الحال لا يمكن تأليف حكومة جديدة لتمثل أمامه لنيل ثقته. فإذا حصل الانتخاب تتجنّب البلاد أي جدل او سجال دستوري حول تولّي حكومة تصريف الاعمال صلاحيات رئاسة الجمهورية من عدمه. وإذا لم يحصل، ستملأ الفراغ الرئاسي هذه الحكومة إلى حين التوافق وانتخاب الرئيس العتيد مهما طال الزمن.
اما في حال رفض عون مغادرة القصر الجمهوري منتصف ليل 31 تشرين الاول متذرّعاً باجتهادات قانونية ودستورية تجيز له الاستمرار في الرئاسة إلى حين انتخاب رئيس جديد، وتعتبر انّ حكومة تصريف الاعمال لا يخولها الدستور ممارسة صلاحيات رئاسة الجمهورية، فإنّ قوى سياسية من هنا وهناك ستعترض على عون وتذهب إلى اتهامه بـ«التمرّد» او «الانقلاب» على الدستور»، ليتكرّر مشهد العام 1988 عندما ترأس حكومة عسكرية انقسمت على نفسها في حينه، بحيث انسحب الضباط المسلمون منها فور اصدار الجميل مرسوم تأليفها، واستمر الرئيس سليم الحص مترئساً حكومته في مقابل حكومة عسكرية بتراء، تضمّ عون وضابطين مسيحيين آخرين، إلى ان انعقد مؤتمر الطائف في ايلول 1989 وأنتج «اتفاق الطائف» الذي انبثق منه الدستور الحالي، وهو اتفاق سبقته وتلته معارك عسكرية مدمّرة، لا تزال البلاد تعيش بعض تردداتها السياسية إلى اليوم.