Site icon IMLebanon

مسؤولون وبسيكلاتات

 

 

لا ننتظر من رئيس حكومة تصريف الأعمال السيد نجيب ميقاتي أن يقتدي برئيس وزراء هولندا السابق مارك روث الذي أعلن أنه لم يعد قادراً على تقديم شيء لبلده، فقرر الاستقالة وغادر مكتبه في مقر رئاسة الوزارة وركب دراجته الهوائية (البيسيكلات) وقفل عائداً الى منزله. وفي المقياس ذاته لا ننتظر من أي مسؤول عندنا أن يقدم على هكذا خطوة، سيان أكان مسؤولاً كبيراً أو صغيراً، وما بينهما من مسؤولين صغار وأنصاف مسؤولين، أو من ذوي «الموقع الطبل»، أي أن الاسم عظيم وكذلك الدوي الهادر، ولكنّ الفعل صفر مكعب.

لا نتوقع ذلك لان القاعدة عندنا تختلف عنها في أي مكان في العالم، فهناك المنصب لا يكبر بذاته إنما بمَن يشغله، وبه يصغر، وكم شهدنا، في بلدنا قياداتٍ ومسؤولين صغرت بهم كبريات المواقع، وقلما شاهدنا مواقع كبرت بشاغليها، إلا في حالات تُعدّ على أصابع اليد الواحدة.

نقول هذا فيما وطننا المنكوب يعاني (الى جانب حرب الإسناد والمشاغلة) فراغاً مروّعاً حتى في المراكز والمواقع التي يتربع فيها شاغلوها بالاسم.

إلا أن أخطر ما يشكو منه اللبنانيون، في هذه الأزمنة العجاف، التفلت الأمني غير المسبوق. ولعلّي لا أبالغ إذ أدّعي أنه لا يمر يوم واحد (أجل ! يوم واحد) من دون جريمة أو اثنتين، أو ربما ثلاث، في مختلف المناطق اللبنانية، تراوح بين قتل بالرصاص أو الطعن، وبين شنق ونحر وخنق. وخطورة الجرائم الفردية أنها تنم عن استهتار بالدولة الى حد الاستهزاء بها وبأجهزتها وعسكرها وأمنها، أو أقلّه عدم الخوف منها.

صحيح أن للنزوح السوري دوراً ملحوظاً في هذا الإنفلات، إلّا أن لفقدان هيبة السلطة وغيابها دوراً يكاد أن يكون الأكثر تأثيراً (سلبياً بالطبع). وعلى سبيل المثال لا الحصر من يصدّق أن اللصوص (أيّاً كانت جنسياتهم لبنانية أو سورية أو مختلطة…) يجرؤون على أن يقتحموا منطقة آمنة في القطاع الغربي من العاصمة، ويحلّوا ضيوفاً ثقيلي الوطأة على سكانها، ويشنّوا هجوماً على السيارات، ويأخذوا وقتهم الكامل في تفكيك الأربع إطارات من كل سيارات أغاروا عليها، ثم يتبين أنهم نجحوا في تفكيك المرايا وأضواء السيارات الأمامية والخلفية… وهذا «مجهود» يستغرق تنفيذه زمناً ملحوظاً، من دون أن يمر ولو حارس بلدية ليقف على خاطر اللصوص ويتغزل بهم: «ما أحلى الكحل في عيونكم؟!».

ويلفتني في هذا السياق الأمني ما يُعلَن عنه يومياً من حوادث غرق على الشاطئ اللبناني، اذ الضحايا بالعشرات… أوليس من واجب أيٍّ من النشامى (المفترض أن يركبوا الدراجات الهوائية ليعودوا الى منازلهم) أن يحركوا ساكناً، كأن يركّزوا بضعة مخافر وأن يسيّروا دوريات إنقاذ على امتداد الساعة؟!.