وحده كارلوس غصن، دون جميع اللبنانيين المقيمين والمغتربين، يشعر بالأمان في لبنان، ويتغني بقضاء “وطن النجوم أنا هنا… حدق أتذكر من أنا؟؟”. ويبصم له بالعشرة.
بالطبع، القضاء في وطن النجوم يذكر من هو الفتى، ويتوافر دائماً من يذكّره به. لكنه لا يحدّق إلا غب الطلب، وليس أينما كان وكيفما كان. وليس ذنبه أن نسي تاريخ الدكتور عصام خليفة، وتجاهل نضاله، ليتهمه بالتزوير ويطلب القبض عليه وسوقه مخفوراً.
فهو معذور اذا لم يتمكن في بعض الأحيان من مواجهة متطلبات الطبقة السياسية ومن لف لفها، عندما تنزعج فتجد نفسها مرغمة على توظيف السلطة الرابعة لحماية مصالحها ومكتسباتها. وتستخدم القضاة المحسوبين عليها لكمّ الأفواه وتعطيل حرية الرأي، مقابل التغاضي عن المستفيدين من غياب دولة القانون والمؤسسات لمصلحة الخيرات التي يدرّها على جهابذة هذه الطبقة السياسية غياب الشفافية والمساءلة والاثراء غير المشروع.
ربما مغلوب على أمره هذا القضاء، فهو لا يتوانى عن التعامل بحزم مع من لا غطاء يحميه، لأن هذا ما يستطيع إليه سبيلاً. وهو حاضر ليبرهن عن قدراته، إذا ما رفعوا أيديهم عنه، وسمحوا له ان ينظف نفسه بنفسه من الاستنسابية والكيدية والطائفية.
ربما حينها لا يعجز عن الإقتصاص من قاتلي رينيه معوض وسمير قصير وجبران تويني وبيار الجميل وانطوان غانم ومحمد شطح ووليد عيدو وجورج حاوي ووسام عيد ووسام الحسن، وغيرهم وغيرهم… ولا يتصرف وكأن المطلوب منه أن يحاسب المجرمين على فشلهم في محاولة اغتيال مروان حمادة ومي شدياق والياس المر.
ومن لا يصدق عليه ان يشاهد كارلوس غصن ويدرس تعبيرات وجهه، ويستمع إليه وهو يتحدث بثقة لامتناهية عن مسار التعامل القضائي اللبناني معه، وكأنه شريك أصيل في “مفاوضات” ترتيب إستصدار الأحكام بحقه، إن لجهة التحقيق في ملفه الياباني او لجهة بحث مسألة تعامله التجاري مع إسرائيل، وكأنه رتب سلفاً المسألة ولا لزوم ليقلق أو يشغل باله.
صدقوا كارلوس غصن الذي يشعر بالأمان في نعيم قضائنا العادل والنزيه والشفاف. صدقوه لتتيقنوا أن لا استنسابية أو انصياع للسلطة ولا تدخلات سياسية ولا علة تشوب الإستقلالية، ولا فساد، ولا غياب حقيقياً لآليات التقييم والمحاسبة. ولا ترويج لسياسة الخوف من جهة واللاعقاب من جهة أخرى.
فالقضاء في لبنان، كما مرافق الدولة ومؤسساتها الأخرى، ليس فيه أمير أو فقير. كل اللبنانيين سواسية أمام قوسه، باستثناء قلة قليلة ذنبها مغفور، لأسباب تتجاوز إدراك الرعاع، ويحتاج استيعابها الى مراجعة قاموس الشطارة اللبنانية التي أودت بنا الى التهلكة.
وبالانتظار، يكفي هذا القضاء ان يثق به كارلوس غصن، ويرتاح له أكثر مما يرتاح للقضاء الياباني “الرجعي جداً”، والذي يحتاج الى دورات تدريبية مكثفة عندنا، ليجيد عمله ويتفنن في طي الملفات وإيداعها أدراج النسيان، فلا يبقى حينها في السجون اليابانية آلاف المظلومين.
أما هنا، فلا مظلومين ولا من يحزنون. وإذا لم تصدقوا إسألوا كارلوس غصن، فلديه الخبر اليقين.