طوال ساعتين ونصف الساعة والاستاذ كارلوس غصن رئيس مجلس ادارة «نيسان» و«رينو» وهو يتحدث بخمس لغات (العربية – الانكليزية – الفرنسية – الايطالية والبرتغالية) بطلاقة، شارحاً، موضحاً، مدافعاً عن نفسه.
باختصار القضية هي ضريبة النجاح، إذ لا يمكن انسان ان يصل الى ما وصل اليه غصن في عالم السيارات. وقد أصبح أسطورة هذا العالم، تتهافت عليه الدول الكبرى لتستفيد من خبرته، وهذا ما سعى اليه الرئيس الاميركي باراك أوباما ليتسلم ادارة «جنرال موتورز» بمرتب ضعف ما يتقاضاه في حينه.
إلى ذلك لا يمكن الوصول الى ما وصل اليه كارلوس غصن من قوة في ادارة قطاع السيارات، الذي تقوم عليه منافسات ضارية بين الدول، ويستطيع ان يصل بالصناعتين الفرنسية واليابانية الى المركز الاول لتأتي صناعة السيارات الاميركية في المرتبة الرابعة بعد ان كانت الاولى في الستينات والسبعينات من القرن الماضي.
ولكن لم يتحمل اليابانيون ان يأتي غريب (فرنسي) ليتحكم بالسوق اليابانية، ولديه طموح، لو بقي، لأن يكون في الصف الاول في العالم. فالخطوة الاولى كانت ميتسوبيشي، التي أوصلت الى المبيعات الاولى في العالم، فكيف لو انضمت فيات وكرايزلر. وهذا كان مشروع غصن. ولنتصور لو تسلم الصناعة الاميركية لكن أعادها الى المرتبة الاولى.
من هنا عمل اليابانيون على التخلص من كارلوس غصن.
كارلوس غصن اسطورة رجل صناعة السيارات العالمي تندرج في شركة رينو حتى وصل الى منصب مدير عام. سنة 1999 استلم شركة نيسان التي كانت مديونة بـ20 مليار دولار أميركي. إنتدب من قبل شركة رينو لايجاد حل فوضع خطة انقاذ لشركة نيسان في اليابان مدتها سنوات أربع. انقذ غصن نيسان بثلاث سنوات. كل نجاح له ضريبة وأعداء. وساعد اليابان للوصول الى المرتبة الثانية بعد المانيا متخطية فرنسا وأميركا في صناعة السيارات. لا بل وحلّت اليابان في المرتبة الأولى سنة 2017. أوقف غصن في اليابان في 18 تشرين الثاني 2018 حين كان يحضر الى نقلة نوعية في صناعة السيارات. للوقوف على خلفيات توقيفه وما عاشه داخل السجن وصولا الى عودته الي وطنه الأم لبنان معلومات يكشفها كارلوس غصن «للشرق».
حاوره مدير عام صحيفة «الشرق» الأستاذ عوني الكعكي، الصحافية ماجدة الحلاني والصحافي علي حمود
هنا نص الحوار:
1- ما هي القضايا التي رفعت ضدك وتم توقيفك بموجبها؟
أربعة قضايا، أول قضية اني لم أصرّح على كمية من المدفوعات او الأجر او التعويضات التي كان يجب أن أصرّح عنها علماً أني لم أقبضها، هذه الأموال لم أتقاضاها ولم تمر على مجلس الادارة. وهذا الاتهام الذي أوقفت على أساسه عند وصولي الى اليابان وهو عبارة عن مبلغ 90 مليون دولار راتب سنوات عدة لم أقبضه. الإتهام الثاني هو أني كنت أتقاضى راتبي بالين الياباني وأحوّله الى الدولار. لقد طلبت من البنك ان يجهز عقداً على مدى طويل الأمد لتحويل الين الى دولار. ولكن عند حصول الأزمة المالية ارتفع سعر الين كثيراً فطلبوا مني أن أعطيهم ضماناً وضماني كان أسهم نيسان ورينو وتراجعت أسعار هذه الأسهم بحدة لذا فطلبت من شركة نيسان أن تعطي البنك الضمانات. ومررنا بندان الأجانب ومن ضمنهم العاملون في مجلس الادارة يحق لهم ان تضمنهم الشركة في عقد تحويل العملة من دون ان تتكلف الشركة أي مبلغ الاتهام الثاني استند الى انني قمت بهذا الاتفاق واستفدت منه ولا يحق لي أن أقوم به. علماً أنه إجراء معد في الشركات ولكنه في اليابان كنت أول من قام به فإتهمت أنني فرضت على مجلس الادارة ان يقوم بهذا الاتفاق لمصلحتي من دون ان أعلن عن ان الاتفاق كان لمصلحتي. الإتهام الثالث ان ممثلنا في السعودية رجل الأعمال خالد الجفالي قبض من الشركة مبلغ 14.7 مليون دولار على أربع سنوات حولتها له من دون ان يقوم بأي شيء. علماً اننا قدمنا العقود وبرهنا انه انجز العمل وصرف حوالى 11 مليون دولار مصاريف لمصلحة نيسان منها تعيينه محام للدفاع عن نيسان وانجز دراسة سوق لشركة نيسان في السعودية. الإتهام الرابع انني دفعت حوافز أكثر من اللزوم لممثل نيسان في عمان أحمد البهوان لأنني مستفيد من أموال البهوان الذي استثمر في شركتي الخاصة وبعد اطلاعهم على حساباتي وحسابات البهوان لم يجدوا أي شيء يؤكد الاتهام ولكنهم يعلنون للإعلام ان نيسان دفعت للبهوان مكافات «ملغومة» وان الأخير عبر أحد موظفيه الذي يدعى كومار افتتح شركة في لبنان تدعى جي أف أي وان هذه الشركة في لبنان قامت باستثمارات مع شركاتي الخاصة بمبلغ 5 ملايين دولار. وعمدنا الى توضيح جميع بنود العقد مع البهوان وأبرزنا التفسيرات اللازمة وانه لم يدفع أي مبلغ من دون تفسير. ونظام المكافآت اعتمدناه مع أكثر من وكيل في دبي وفي قطر وغيرها من الدول في اليابان لا يعتمدون على التفسيرات بل يطلبون وثائق ومستندات.
2- كيف ستواجهون هذه الاتهامات؟
لست خائفا. انها تركيبات اكثر منها اتهامات. المدعي العام لا بد وأن يزودنا بملف القضايا لنحصر دفاعنا ونمتلك المستندات اللازمة للدفاع وتفاجأنا بالتهم الموجهة اليّ لأنها بسيطة.
3- في اليابان، اعتبروا أنك عندما تسلمت الشركة قمت بإجراءات ثلاث أقرب الى الكارثة: أولا، سرّحت 15 الف موظف من الشركة ادارة جديدة للشركة بعيدا عن البيروقراطية وليتحمل كل شخص مسؤوليته. ثالثاً، ان رينو تحكم وتصوت في شركة نيسان بينما نيسان لا تفعل الامر عينه في رينو.
النقط الثلاث صحيحة. لقد قلصت عدد الوظائف ولم «أطيّر» 15 الف موظف. منهم من تقاعد وآخرون غيروا عملهم وهو اجراء كان ضرورياً لأن الشركة كانت مفلسة ومديونة بـ20 مليار دولار. السرعة في العمل والتخلص من بطء العمل وهذا ما قلدني به الآخرون. النقطة الثالثة لا دخل لي بها الدولة الفرنسية اصرت على ان تتمتع بحق التصويت في نيسان وان لا تفعل نيسان العكس في رينو. وهذا مشكلتي مع الدولة الفرنسية التي تساهم بـ43٪ في نيسان بينما نيسان تساهم بـ15٪ فقط في شركة رينو. وطمأنت اليابانيين انني كممثل لشركة رينو في اليابان بنسبة 43٪ انني لن أفرض يوماً أي أمر عليهم بل نتفق على أي شيء ومن ثم نقوم بالتصويت عليه وهذا الحال دام لمدة 17 سنة من دون أي مشكلة. المشكلة بدأت عندما شعر اليابانيون انني اقتربت من التقاعد وان من سيخلفني لا يعلمون كيف سيكون التعامل معه وانني الوحيد القادر على تغيير النظام او استقدام شركة لتدير الاستثمار لذا وجدوا ان الحل الوحيد هو التخلص مني.
4- أخذت من رينو أهم ما فها ومن نيسان قمت بالامر عينه لتحسن وضع الشركتين. ما هي أهم نقاط القوة في الشركتين؟
قوة رينو نقلتها لنيسان والعكس صحيح. أبرز نقاط قوة رينو هي السيارات الصغيرة، المشتريات، التسويق والاتصال. نقلنا هذه النقاط الى شركة نيسان. قوة نيسان بالموتورات، سيارات الدفع الرباعي، الهندسة والتصنيع. واعتمدنا نقاط القوة هذه في شركة رينو. في النهاية الياباني والفرنسي لن يتفقا معا. 17 سنة عملت على حلحلت العديد من المشاكل بين الطرفين ولم نسمع بأزمات بين الطرفين سوى بعد توقيفي.
5- أعلنت في مؤتمرك الصحافي عن خسارة نيسان لحوالى 10 مليارات دولار ورينو 6 مليارات دولار. كيف تفسر هذا الأمر؟
أوقفت في 18 تشرين الثاني 2018 آخر سعر حصلت عليه في 16 تشرين الثاني 2018 قبل توقيفي كان 1500 ين لسهم نيسان و64 يورو لسهم رينو. سهم نيسان اليوم 630 ين وسهم رينو 41 يورو. واطلعت على خريطة أسعار صناعة السيارات ووجدنا ان اندكس اتوماتيف صناعة السيارات ارتفع 12٪ في العالم باستثناء نيسان ورينو التي خسرت من سعر سهمها 35٪ اضف اليها 12٪ أي 47٪ من سعر السهم وهذه السقطة تمثل حوالى 10 مليارات دولار لنيسان و6 مليار دولار لرينو بسبب هروب المستثمرين بعد توقيفي. وهكذا خسروا 16 مليار دولار لكي يوفروا 90 مليون دولار اتهموني بعدم التصريح عنها. وكلّفت عملية التسويق ضدي التي قادتها نيسان من محاماة واعلام واستثمار 200 مليون دولار بحسب بلومبرغ.
6- عوملت بقساوة في السجن كيف تفسر ذلك؟
صراحة لا يمكنني القول ان ياباني الشارع او الحراس كان لديهم نقمة ضدي بل عاملوني باحترام لأنهم يعلمون من أنا. بل النظام القضائي لديهم قاس ويمنعون الموقوف حتى من تناول ادويته.
7- هذه التهم تستدعي برأيك مدة التوقيف الطويلة التي مررت بها؟
هذا ما صرّح به رئيس الوزراء الياباني منذ أيام انه برأيه الامور هذه كان يجب ان تجد حلولا لها في مجلس الادارة ولا مكانها في أروقة العدل.
8- ما هو الموقف الفرنسي من قضية توقيفك؟
تعلمون الفرنسيون يفضلون مصلحتهم وجبناء وهذا تاريخهم منذ الحرب العالمية. والآن عندما خرجت الى الحرية وبدأت أصرّح أصبحوا خائفين مني. أعتقد ان اليابانيون محقون بخوفهم من محاولة الفرنسيين بالاستحواذ على شركة نيسان.
9- هل لاحظت أي مؤشرات قبل توقيف تنذر بما آلت اليه الامور؟
مع الفرنسيين أجل. لم أوافقهم الرأي يوماً ولم أخضع لآرائهم. وهذا ما يغضبهم. لديهم 15٪ من شركة نيسان ويعتقدون ان من حقهم التحكم بالقرارات.