تضع الساعات المقبلة سوريا على مفترق جديد. يبدو جلياً الزخم الديبلوماسي على هامش الدورة السنوية السبعين للجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك. غير أن الأنظار تتجه خصوصاً الى اللقاء المرتقب للرئيسين الأميركي باراك أوباما والروسي فلاديمير بوتين. يمكن المجادلة بأن سيد البيت الأبيض سيقبل بما انتزعه نظيره في الكرملين – “الكرملينولوجي” بوتين – على المسرح السوري، وكذلك على الساحة الدولية.
تركز الجهود الديبلوماسية على حل “عقدة الأسد”. يجاهر الديبلوماسيون الغربيون – أميركيين وأوروبيين – والأتراك بأن العملية السياسية يمكن أن تبدأ على أساس بيان جنيف، بمشاركة الرئيس بشار الأسد، على أن تنتهي من دونه. يرونه سبباً في تفشي ظاهرة الجماعات الإرهابية مثل “الدولة الإسلامية” (داعش) وسواها من الخلايا التي تعتنق مذهب تنظيم “القاعدة”. غير أن التصريحات التي يدلي بها الديبلوماسيون الروس توحي بأنهم لا يرغبون في أي إطار يلزمهم رحيل رأس النظام السوري. بل انهم يريدونه لاعباً رئيسياً في الحرب الدولية على الجماعات الإرهابية. ليس سراً أن “الكرملينولوجي” بوتين لا يحبذ الدور القيادي التي تضطلع به الولايات المتحدة في الائتلاف الدولي الواسع ضد “الدولة الإسلامية” (داعش) وغيرها من الجماعات التي تعتنق مذهب الإرهاب عند تنظيم “القاعدة”. يريد لروسيا أن تتولى دوراً قيادياً أيضاً، ولكن وفق أسس مختلفة. هل الأسد في قلب معركته ضد الإرهاب؟
يشارك بوتين للمرة الأولى منذ عشر سنين في الاجتماعات السنوية للأمم المتحدة. يأتي وقت يغيب الكلام تقريباً على ضم روسيا شبه جزيرة القرم، وعلى الضجيج في شأن مساعدتها المتمردين في شرق أوكرانيا. يتصدر موضوع سوريا أولويات لقائه أوباما. بخلاف عقيدة الأخير، أو ما يطيب للبعض أن يسميه “الأوبامية”، التي أخرجت الولايات المتحدة من مرحلة التدخل والغزو وأدخلتها في مرحلة من الانكفاء والتخلي، تتسم “البوتينية” بعودة صاخبة لروسيا الى ساحة صنع القرار الدولي. لم تكن الولايات المتحدة والدول الغربية وغير الغربية ترغب في تولي روسيا هذا الدور القيادي في سوريا تحديداً. بيد أن بوتين أفاد من تردد أوباما في تحديه على رغم قرار الجانب الأميركي وقف الاتصالات بينهما منذ بدء الأزمة الأوكرانية.
يسلّم الديبلوماسيون الغربيون بالمصالح الإستراتيجية لروسيا في سوريا. غير أن هذه المصالح تتقاطع أيضاً مع الحضور العميق والقديم لإيران في هذا البلد العربي. أي دور ستضطلع به ايران لوقف حمام الدماء في سوريا بعد اتفاقها النووي مع الدول الكبرى؟
ثمة فرصة حقيقية الآن للتوصل الى اتفاق يضع حداً لأكبر مأساة يشهدها العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ومنذ مؤتمر يالطا. أخشى ما يخشاه كثيرون أن ينتهي الأمر بالترحم على “مسّاحين” أحدهما فرنسي هو الديبلوماسي فرنسوا بيكو والثاني بريطاني وهو السير مارك سايكس.