قد يكون نقل الماء بالسلة اسهل بكثير من خروج «السلة المتكاملة» على طاولة الحوار بنتائج مرضية، ولو على بند واحد من البنود المطروحة عليها، بدءاً بانجاز الاستحقاق الرئاسي وما يليه من رئاسة الحكومة والحكومة نفسها وقانون الانتخاب العتيد، وكما مرت الجلسة الاولى والثانية الا ان الثالثة ليست ثابتة كما يقول المثل المعروف، ولكن كيف يبرّر الاقطاب على الطاولة المذكورة اسباب فشلهم، هل سيرمون المسؤولية على عاتق الزمن الرديء والعقم السياسي وهل يهمهم الامر في الاساس وهم العارفون بأن مكونات البلد لم ترتقِ الى مستوى المجتمع المدني، ولا زالت في مرحلة القطعان الطائفية والمذهبية والمناطقية.
وقالت اوساط مواكبة انه سريعاً ما يتأقلم اللبنانيون مع الحدث ولن تخرب الدنيا اذا لم تحقق طاولة الحوار اي اختراق على صعيد القانون الانتخابي والدليل على ذلك، ان المواطنين نسوا ان عمر الفراغ في الكرسي الاولى بلغ العامين واكثر بقليل، ونسوا ايضاً ان طاولة الحوار بلغت العاشرة من العمريوم اخترعها رئيس مجلس النواب نبيه بري عام 2006 وكان على جدول اعمالها بند يتيم يتعلق «بالاستراتيجية الدفاعية»، فجاء عدوان تموز لتطير الطاولة معه ويغرق اللبنانيون في كارثية المشهد بعدما دك طيران العدو الاسرائيلي البنى التحتية على كامل رقعة الوطن الا انهم ذاقوا طعم نصر يتيم لم يعرفه العرب عبر تاريخهم بعدما اسقطت المقاومة اسطورة «الجيش الذي لا يقهر» واذاقته الذل في وادي الحجير الذي تحول الى مقبرة «للميركافا».
وتضيف الاوساط ان طاولة الحوار التي اجترح نسختها الاولى بري ونجحت في تنفيس الاحتقان بين فريقي 8 و14 آذار وانتقلت الى بعبدا وصولاً الى ثلاثية الحوار الجاري وان لم تنتج شيئاً الا انها بطريقة او بأخرى منعت الانفجار الكبير بين المتخاصمين، الا ان دخول ملف النزوح السوري الى الحلبة الداخلية قد يعطل الطاولة ويطيح بالجميع مع خشية بري من ان يذهب لبنان ضحية الصفقات الخطيرة لا سيما ان المبضع الاممي ناشط في تقطيع اوصال الانظمة في المنطقة واعادة ترسيمها بما يكفل راحة ومستقبل اسرائيل و«يهودية الدولة»، فمفتاح الحل للخروج من عنق الزجاجة هو انتخاب رئيس للجمهورية لتكر حبات السبحة اثر ذلك، ولكن السؤال هل نضج الطبق الرئاسي في المطابخ الدولية، وهل لديها ذرة وقت للتفصيل الداخلي الصغير قياساً على ما يحصل في المنطقة؟
تقول الاوساط نفسها ان وزير الداخلية نهاد المشنوق المشهود له بوضعه الكلام المناسب في الظرف المناسب لم يطرح عبثاً او من الفراغ ان «هناك قراراً دولياً وجدياً وكبيراً وغير منظور بانتخاب رئيس للجمهورية قبل نهاية السنة» وان بري ورئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» النائب وليد جنبلاط يدركان ذلك وان طاولة الحوار ستؤسس لمسار رئاسي بدعم فرنسي وان واشنطن على دراية بالامر، وان جنبلاط الذي اعلن اثر انفضاض الجلسة الاولى رداً على سؤال حول الرئاسة قائلاً: «بدها شوية صبر»، وربما زيارة النائب سليمان فرنجية الى عين التينة وليس الى دارة الوسط عشية انعقاد الطاولة يحمل الكثير من الدلالات لا سيما انه اعلن من هناك انه ماض بترشيح نفسه للكرسي الاولى ولو بقي نائب واحد يسير في ركابه، اضافة الى اصرار «تيار المستقبل» على دعمه، الا ان الثابت لدى الضاربين بالغيب السياسي ان اسم الرئيس العتيد سيكون من خارج السلة والمعروف في اللعبة الرئاسية ان ربع الساعة الأخير يصنع الرئيس وهذا ما يفسر اصرار العماد ميشال عون على «التسوية» منعاً للمطبات الدولية منها والاقليمية، فهل تسمح المجريات المتسارعة في المنطقة بانجاز الاستحقاق الرئاسي اضافة الى الانتخابات الرئاسية الاميركية التي تزيد في تعقيد الحلول، واذا لم يلتقط اللاعبون المحليون الفرصة المتاحة حالياً فسينتظرون لاكثر من عام كي لا نقول الى الابد في منطقة بركانية حبلى بالحمم.