يُحلّق النقد في التداول المعروف بـcurrency in circulation الى قيم غير مسبوقة اذ وصل الى نحو 10500 مليار ليرة في كانون الأول أي ما يعادل بالدولار وفق سعر الصرف الرسمي 7 مليارات دولار. وبذلك يكون ارتفع بنسبة 9 % عن شهر تشرين الثاني 2019 حيث سجّل 9054 مليار ليرة وبنسبة نحو 49% عن شهر حزيران الماضي حيث سجّل 5960 مليار ليرة، استناداً الى موجز البيان الصادر عن مصرف لبنان.
“إرتفعت المطلوبات للتداول بالنقد في أشهر تشرين الاول، تشرين الثاني وكانون الاول بنسبة تعادل 12 عاماً” يقول خبير نقدي لـ”نداء الوطن” ما دفع بمصرف لبنان الى الإقبال على طباعة العملة الوطنية. في أشهر تشرين الأول، كانون الأول وكانون الثاني أقدم مصرف لبنان على طبع عملات الألف، والـ50 والـ20 ألف ليرة لبنانية، بغية طرحها في الأسواق النقدية عند الحاجة تلبية للطلب المتزايد على “الكاش”.
في الأيام العادية تُعتبر طباعة العملة المحلية عملاً روتينياً، إلا أن الطلب المتزايد على العملة بدءاً من شهر أيلول بسبب تفاقم الوضعين المالي والإقتصادي في البلاد، دفع “المركزي” الى التقدّم بطلبية جديدة بسبب تزايد الإقبال على النقد. فهل يزيد ذلك من نسب التضخّم المرتفعة أصلاً ومن انهيار الليرة؟
تعمد المصارف المركزية عادة الى طباعة العملة في حالتين: إما في زمن الأزمات، عند انهيار العملة الوطنية أو في الإقتصادات التي تشهد نمواً وذلك لزيادة الإنتاج وإنعاش البلاد وخفض الأسعار وجذب الإستثمارات.
التحوّلات جرّاء الأزمات
في لبنان أدى تفاقم الأزمة المالية في البلاد وتراجع النمو وزيادة الطلب على الدولار والتحويل الى الخارج، الى تحوّل التعاملات نحو النقد بعد أن كانت السياسة المتبعة من الجسم المصرفي هي الـCashless اي التعامل الكترونياً ومن خلال بطاقات الإعتماد بعيداً من النقد، لحاقاً بركب سائر الدول المتحضّرة.
هذا الأمر دفع بمصرف لبنان الى تفعيل الطباعة للعملة الوطنية تلبية للطلب المتزايد على النقد، ويقول خبير في المجال إن “التداول بالنقد ارتفع من أشهر تشرين الاول وتشرين الثاني وكانون الاول الى نسبة مرتفعة تُعتبر الأعلى منذ 12 عاماً”.
وعن طلبيات الطبع يُشير الى أن “طلبية الشحنة تقدّم عادة الى الشركة المتخصصة بتلك العمليات استناداً الى طرح مناقصات، قبل فترة تتراوح بين 9 و12 شهراً، وهي تتم في دول اوروبية عدة، ولا سيما أيضاً في الولايات المتحدة كما حصل لورقة الـ 1000 ليرة، وفي روسيا لورقتي الـ20 والـ50 ألف ليرة لبنانية”. لافتاً الى أنه “عالمياً يوجد 6 شركات لطباعة العملات. ويؤكّد ان “طرح العملة الوطنية حالياً لا يؤدي الى أي زيادة في التضخم أو تفاقمها، كونها لا تطرح في السوق الا عند الحاجة اليها”. ويضيف: “عندما يعلن مصرف لبنان عن طبع عملة جديدة، يعني ذلك أنها أصبحت جاهزة للطرح في السوق ولم تطرح بعد في التداول”.
شركات الطباعة العالمية
ومعلوم أن أشهر الشركات العالمية لطباعة العملات هي شركة De La Rue البريطانية التي تقوم بطباعة نسبة11% من العملات النقدية الموجودة في الأسواق، حيث تقوم بطباعة نحو 140 عملة لبنوك مركزية في العالم.
أما شركة “غوزناك” الروسية فتعتبر من كبرى الشركات العالمية في هذا المجال وتتعامل معها أكثر من 20 دولة في آسيا وأفريقيا وأوروبا، ففي العام 2014، قامت بإنتاج 1,1 مليار ورقة نقدية، إضافة الى طباعة جوازات سفر وعملات معدنية.
ولبنان من الدول التي تعتمد تلك الشركة في طبع عملتها، حيث أن رزمة تحتوي مثلاً على 1000 ورقة نقدية لبنانية تكلف لبنان نحو 60 يورو، وبالتالي فإن طباعة عشر رزمات من أصغر فئة نقدية ورقية لبنانية تكلف نسبة 10% من قيمتها.
الى ذلك نذكر شركة (Giesecke & Devrient) الألمانية التي تطبع لنحو 100 مصرف في العالم و شركة (François Charles Obertour Vidocerie) الفرنسيّة.
وهناك قلة من الدول التي تطبع عملتها محلياً مثل الولايات المتحدة والهند نظراً لارتفاع تكاليف صناعة العملة، من طباعة، وحاجة لآلات، ووسائل تكنولوجيّة حديثة، ومُواكبة التطوُّرات التي تمنعُ تزييف المال.
لبنان اليوم يعيش حالة من الإقبال الكثيف على النقد أكان من الدولار بهدف تخزينه أو من العملة المحلية للتعامل بها وتخزينها ايضاً لليوم الأسود. وبانتظار انقشاع الرؤية وإزاحة الغيمة السوداء التي ينشرها السياسيون فوق لبنان، يبقى الإقبال على النقد لتكديسه في المنازل الهمّ الأول بسبب فقدان اللبنانيين الثقة بالنظام المصرفي اللبناني.