تحوّل الإقتصاد اللبناني منذ نحو ثلاث سنوات ونصف السنة، من اقتصاد مُراقب ومُنظّم دولياً يلحق القواعد العالمية، إلى اقتصاد “الكاش” العشوائي والخطر على المدى المتوسط والبعيد.
إقتصاد الكاش هو أخطر إقتصاد في العالم، لأنه من المستحيل تنظيمه أو مراقبته، داخلياً، إقليمياً أو حتى دولياً. لذا، تهرب أكثرية الإقتصادات المتقدمة من التبادل عبر النقد، وتخفّف قدر المستطاع اقتصاد الكاش، الذي ليس له رقابة، ويمكن إستعماله لأهداف غامضة.
في لبنان، تحولنا إلى إقتصاد الكاش، عندما بدأت الأزمة الإقتصادية والإجتماعية في أواخر العام 2019، وانعدمت الثقة بالقطاع المصرفي، وأيضاً الثقة بين الأفراد والشركات، وبين بعضهم البعض، وأصبح الكاش الآمر الأول والأخير، وقد مُحيت الديون المتراكمة القديمة، الحالية وحتى المستقبلية من الدورة الإقتصادية.
إنّ هذا التحوّل وردّة الفعل هذه، منطقية على المدى القصير ويُمكن تفهمها، لكن عندما تصبح من ضمن الإقتصاد على المدى المتوسط والبعيد، تصبح خطرة جداً، ليس فقط في بلدنا لكن أيضاً في البلدان المجاورة وحتى الدولية. لأنّ إقتصاد الكاش يُستعمل لتبييض الأموال والتهريب وتمويل الإرهاب.
كنّا نفخر بمنصتنا التجارية والدولية التي كانت تجذب الإستثمارات والمستثمرين ورؤوس الأموال والرياديين، لِخلق النمو والتطور. للأسف، إنّ تحولنا الى اقتصاد الكاش يُهرّب المستثمرين الشفافين ويجذب غاسلي الأموال، ومموّلي الإرهاب، والمهربين والمروجين، في اقتصادنا الأسود الطاغي الجديد.
كان اقتصادنا يخلق وينمّي رواد الأعمال والمبتكرين والرياديين وقد أصبح إقتصاد الكاش يطور المهربين والمروجين والصرافين الفاسدين.
لذا علينا أن نكون حذرين جداً، لأنّ اقتصادنا الكاش الجديد أصبح تحت مجهر الدول المنظمة والمراقبة وراداراتها، ويمكن في أي وقت فرض عقوبات علينا، ومنع التحويلات، وحتى ما تبقّى من المصارف المراسلة، قد توقف التعاون مع لبنان والشركات اللبنانية واللبنانيين. فهذا يمكن أن يوجّه رصاصة الرحمة على ما تبقّى من أملنا ونيتنا بإعادة النهوض.
في الخلاصة، لا نزال نحفر في النفق السوداوي عينه، وتزداد المخاطر والضغوط، والهجوم المتتالي، على الإقتصاد الأبيض، ضد الإقتصاد الأسود المتمثّل باقتصاد الكاش الذي يكسب الأرض يوماً بعد يوم وساعة بعد ساعة.