كما كان متوقّعاً، لم يخرج الدّخان الأبيض من مقر نقابة المحامين في بيروت، فالانتخابات لملء مقعد النقيب وأربعة أعضاء، لم تحصل بسبب عدم اكتمال نصاب الجمعيّة العموميّة (حضر أقلّ من 60 محاميا) في الدورة الأولى، ليتمّ إرجاؤها إلى 15 الجاري بمن حضر.
ومن المرجّح أن يشارك في هذا الاستحقاق بين 3500 و5000 محامٍ من أصل حوالي 7000 آلاف يحقّ لهم الانتخاب بعد تسديد اشتراكاتهم في النقابة خلال المهلة المحدّدة.
وفي انتظار الدورة الثانية، فإن المرشحين الـ11 بدأوا تحضيراتهم أملاً بالفوز: اللقاءات الإعلاميّة والاجتماعات السياسيّة ورسائل «واتس اب» والاتصالات واللقاءات بين الزملاء وحتى المآدب لا تنتهي إلا عندما تفتح الصناديق الانتخابيّة.
وتتنافس في هذه الانتخابات لائحتان غير مكتملتين وعدد من المستقلين ــ المنفردين. لائحة «14 آذار» تضمّ بيار حنا لمركز النقيب والعضوية (محسوب على القوات اللبنانية)، والعضوين لويس حنّا (كتائب) وجميل قمبريس (تيار المستقبل ليكون في مركز أمانة السرّ، لأن العرف يقضي بأن يكون هذا المنصب لمسلم سني وقبريس هو السني الوحيد)،
فيما ستتمثّل «8 آذار» بـ «التيّار الوطني الحر» الذي سمّى زاهر عازوري للعضوية ودعم المستقلّ أنطونيو الهاشم لمركز النقيب والعضوية.
أمّا المحامون الستة الباقون فترشحوا إلى الانتخابات بشكل فردي، وهم ناضر كسبار (لن يشارك في دورة انتخاب الأعضاء وإنما سيلتحق بالانتخابات بمرحلتها الثانية) وعزيز طربيه لمركز النقيب. وكلاً من: وجيه مسعد، أسعد سعيد، سمير حيدر، إيلي مخول، لويس حنّا لمركز العضويّة.
إذاً، المعركة الطاحنة ستجري بين «8 و14 آذار». ويشدّد المتابعون على أنّ التنافس على عضويّة النقيب سيكون على الأرجح محصوراً بين المرشحين المقربين من «القوات» و «التيار الوطني»، مؤكدين أنّ «بلوك 14 آذار» المنظّم يكون عادةً أقوى من تحالفات «8 آذار» ليخلصوا إلى القول إنّ مخول سيكون الأقرب إلى المنصب. بعض المحامين لا يتوانون عن وصف «الفائز المفترض» بأنه «شخص جامد»، برغم كونه «مهنياً ومناقبياً وله سيرة طويلة في العمل النقابي، وهو الذي وعد بأن يتخلى عن انتماءاته الحزبيّة فور وصوله إلى المنصب».
في حين، لا ييأس المحامون المحسوبون على «8 آذار» من هذا التّحليل، مفترضين أنّ الأمر هذه المرّة سيحمل مفاجأة تصبّ لمصلحتهم، وتحديداً لمصلحة الهاشم. هؤلاء تنفّسوا الصعداء عندما انتهت كلمة ميشال عون خلال عشاء الهيئات النقابية والمهن الحرّة الجمعة الماضي، من دون أن يأتي على ذكر أي من الأسماء التي يدعمها «التيّار» في انتخابات نقابة المحامين، وإن كان ذلك قد يأتي على حساب عازوري.
بالنسبة لهم، فإنّ عدم دعم الهاشم على لسان عون هو أشبه بـ «ضربة محترفة» لعدم إحراقه، على اعتبار أنّ الرجل يملك حيثيّة مهمّة داخل النقابة وهو من المحامين المحبوبين من قبل زملائه من الأحزاب الأخرى، ما يعني رفع حظوظ الهاشم، المرشح المستقل وغير المنضوي في صفوف «التيّار، لوصوله إلى مركز النقيب من أصوات حلفاء «التيّار» وخصومه.
ولا يخفي المتابعون لعمليّة الانتخاب أن عضو النقابة الحالي ناضر كسبار والمحامي عزيز طربيه قد يشكلان تهديداً لزملائهم الآخرين، لكونهما من المستقلين المعروفين بعملهما النقابي والمهني.
الانتقادات في هذا الاستحقاق كبيرة، وإذ يرى بعض المحامين المستقلين أن دور نقابة المحامين هو أكبر من كونه رعاية مصالح المحامين ليكون لها دور على مستوى الوطن ككلّ، فإنّهم ينتقدون «مرشحي الأحزاب» الذين غزوا الانتخابات والذين يعلو عندهم صوت المصالح الحزبيّة على حساب مصالح النقابة. ويشيرون إلى أنّ الخطاب السائد عند غالبيّة المرشحين هو خطاب المرجعيّات السياسية التي لا علاقة لها بتنظيم المهنة وبمصالح المحامين والمحاكمات العادلة، وذلك على حساب البرامج الانتخابيّة التي يبدو أنّها غائبة إلا عند الأقليّة من بين المرشحين.
في المقابل، هناك من لا يستطيع أن يرى النقابة إلا صورة مصغّرة عن لبنان: أحزاب وطوائف «لا تفسد في اللعبة الانتخابيّة، قضيّة»، معتبرين أنّ الكلمة الأعلى في الانتخابات هي للعلاقات ولمكاتب المحامين الكبيرة، خصوصاً أن نسبة الملتزمين بالأحزاب من الهيئة الناخبة لا تتعدى الـ40%.
ويلفت المدافعون عن «الأيادي السياسية» داخل النقابة الانتباه إلى أنّ الانتماءات الحزبيّة لغالبيّة المحامين تسقط عند عتبة النقابة، مدللين بالإصبع إلى تجربة النقيب الحالي جورج جريج «الذي أثبت فعلاً أنّه ملتزم بحزب الكتائب خارج النقابة، فيما داخلها هو ملتزم بالمهنة ليس إلّا».
وإذا كان لدى المستقلين تحفظات على تأثير السياسة في هذا الاستحقاق، فإنّ لـ «الحزبيين» انتقادات بالجملة… ويبدو جلياً أنّ غالبيّة المستائين هم من المنتمين والمقربين من «حركة أمل».
فـ «حركة المحرومين» التي تحالفت بالأمس مع «القوات اللبنانيّة» في انتخابات نقابة موظفي «كازينو لبنان»، ها هي اليوم تعيد الكرّة في نقابة المحامين، إذ تؤكّد المعلومات أنّ «الحركة»، التي تملك قوّة تجييرية كبيرة، أعطت قرارها بأنها لا تدعم أياً من المرشحين في هذه الانتخابات بمن فيهم مرشحو «الوطني الحرّ»، وإن كان البعض يؤكّد أنّ هناك اتفاقاً من تحت الطاولة حصل بين «الحركة» و «الكتائب».
وبحسب المعلومات، استدعى هذا الأمر عقد لقاء ناري بين كوادر «الحركة» في النقابة والمحامين المقربين منها في «مدرسة أحمد قصير» في الضاحية الجنوبية لبيروت، حيث حضر أكثر من 43 محاميا، ليتخلّله عتاب وتبادل للمسؤوليات لعدم تسمية «الحركة» لأي مرشّح وإصرارها على عدم تبني المرشح المقرّب من «التيار الوطني الحرّ».
وأكثر من ذلك، فإنّ «الحركة» لم تعمد، وحتى الأمس، إلى دعم المرشح في انتخابات لجنة صندوق التقاعد في النقابة، المؤلفة من 10 أعضاء وبرئاسة النقيب (ستجري في اليوم نفسه)، المحامي علي فوّاز برغم كونه مقرباً منها، فيما ستصبّ قواعد «الحركة» لمصلحة فواز وسعيد علامة الذي يملك حيثية نقابية والذي أدّى بترشحه إلى هذه الانتخابات بتحريك التنافس على «الصندوق».
وعليه، ينتظر الكثير من المعنيين بأن تكون نتائج الاستياء لدى قواعد «الحركة» غياباً ملحوظاً للمحامين الشيعة، خصوصاً أن المحسوبين على «حزب الله» هم قلّة ليكون الكثير منهم محسوبين في العمل النقابي على «الحركة».
ويشدّد العديد من المحامين المتابعين لانتخابات أجواء «الحركة» الانتخابيّة، ومنهم المحامي وسام المذبوح، على أنّ غيابهم أو عدم استجابتهم لدعوة «أمل» يعني أكثر من امتعاضهم لقرار «الحركة» بعدم دعم مرشح «حليف الحليف».. وإنّما هي «لرفضهم السياسات الملتوية المعتمدة باتفاقات غير معلنة وبضعفٍ» بعد خسارة العضو السابق حسين زبيب وعدم إيجاد البديل، مما أدى إلى عدم تمثيلهم بأي عضو داخل مجلس النقابة وخسارتهم أمانة السرّ في «صندوق التقاعد».. وخروجهم من «المولد بلا حمص»!