«كيف نهزم حزب الله؟» لم يعد ذلك السؤال عنوان نقاش سياسي يحتمل اقتراحات أو سيناريوات مفتوحة في الفترة الأخيرة، بل باتت التصريحات العلنية بشأنه تحدّد «خطوات» واضحة وعملية لتحقيقه… «خطوات» ملموسة بدأت واشنطن وحلفاؤها في المنطقة بتطبيقها
«ما هي الخطوات التي يجب اتباعها لهزم حزب الله؟» السؤال الذي يشبه عناوين المقالات عن خفض الوزن أو تحسين العلاقة مع الشريك أو التوقف عن التدخين، بات، بحرفيته، عنواناً ثابتاً في التصريحات السياسية والدبلوماسية أخيراً. منذ إقرار الكونغرس الأميركي قانون حظر التمويل الدولي لحزب الله نهاية عام ٢٠١٥، بدأ الحديث إعلامياً عن اقتراب نهاية الحزب اللبناني بعد شلّه مالياً، ثم جاء تصنيف الدول الخليجية له كمنظمة «إرهابية» ليزيد من تلك «التوقعات».
لكن السفيرة الأميركية المعيّنة أخيراً في بيروت، إليزابيث ريتشارد، حوّلت تلك الفرضيات يقيناً، وبدت كمَن أحضر معه «كاتالوغ» «خطوات هزم حزب الله»؛ فمنذ شهادتها في الكونغرس في آذار الماضي ومجيئها الى لبنان قبل أشهر، بات الحديث عن تلك «الخطوات» كأنها أمر واقع.
السفيرة كانت قد أعلنت أن «هدفنا» هو خنق حزب الله مالياً، من خلال «تفكيك شبكات تمويله الدولية»، وكانت قد تعهّدت بأنها «ستعمل على أن لا يخترق حزب الله النظام المصرفي اللبناني». الخطوة الأولى، حسب «كاتالوغ» الخارجية إذاً، هي ضرب المقاومة مالياً. الخطوة الثانية، هي تشويه سمعة حزب الله في الداخل اللبناني وفي العالم العربي وإضعافه من داخل بيئته الشيعية، وتلك الخطّة موجودة في أجندة الخارجية منذ ما قبل عهدَي جيفري فيلتمان وميشيل سيسون، وموثّقة في شهاداتهما أمام الكونغرس وفي وثائق «ويكيليكس».
تشويه صورة حزب الله وسمعته، هو ما تحدّث عنه أيضاً قبل أيام المساعد السابق للرئيس باراك أوباما، المسؤول عن السياسات المتعلقة بالشرق الأوسط والخليج وأفغانستان وباكستان وجنوب آسيا، والمستشار السابق لوزيرة الخارجية هيلاري كلينتون لشؤون الخليج العربي وجنوب غربي آسيا، دينيس روس. روس فنّد في مقابلة صحافية «خطوات هزم حزب الله»، فتحدّث عن «الإساءة الى سمعته» قائلاً إن «دول الخليج تبنّت ما كانت تفعله أميركا من قبل، وهو تصنيف «حزب الله» تنظيماً إرهابياً؛ ففي الولايات المتحدة نركّز على حقيقة أنهم (أي حزب الله) يعملون في غسل الأموال والاتجار بالمخدرات، وهو ما يساعد على الإضرار بسمعته، ويمكن أن تصبح المقاربة الجماعية فعّالة في هذا الإطار». إضافة الى تشويه السمعة، دعا روس الى «تأسيس تعاون أوسع في المنطقة بين من لديهم معلومات استخبارية بشأن «حزب الله»»، مشدداً على أنه يجب على الولايات المتحدة «أن تتواصل مع جميع شركائها في المنطقة».
خطوات ثلاث ما كادت الخارجية الأميركية تضعها في خطتها القديمة ــ المحدَّثة حتى سارع الناشطون اللبنانيون الى البدء بتطبيقها. مقالات على مواقع معادية للمقاومة وفي الصحف المموّلة من دول خليجية بدأت تكرر الأفكار نفسها عن فشل حزب الله في سوريا، وتململ في البيئة الشيعية ضد دوره في سوريا، ومصلحة الحزب في الإبقاء على الفراغ الرئاسي في لبنان. ولعلّ مداخلة الصحافية حنين غدّار، الشهر الماضي، في «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى» في واشنطن، بمشاركة ضابط صفّ في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، خير دليل على بدء تنفيذ تلك التعليمات. غدّار، ورغم سطحية ما قدّمته في ملاحظاتها عن حزب الله والأخطاء الجوهرية في مقاربتها غير العلمية عن الموضوع، فضلاً عن مشاركتها ضابط استخبارات اسرائيلياً الحوار والمعلومات، تحدّثت عن تدهور صورة حزب الله لدى اللبنانيين وفي البيئة الشيعية تحديداً. الصحافية اللبنانية شاركت بدورها في تشويه تلك الصورة بتحميل حزب الله وحده مسؤولية تدمير سوريا وتهجير السوريين الى لبنان، وإرساله «الفقراء الشيعة» فقط للقتال، وتقصيره في دفع التعويضات لأهالي الشهداء، وتسبّبه في إقفال أبواب العمل في لبنان ودول الخليج أمام أبناء الطائفة الشيعية، وضرب الاقتصاد اللبناني بالتسبّب في وقف الاستثمارات الخليجية في البلد، ورفضه انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان، وسعيه الى «طرد السنّة من مناطقهم لخلق دولة شيعية تمتد من السواحل السورية مروراً بالبقاع اللبناني وصولاً الى الجنوب»!
مَن يدقّق في نصّ القانون الأميركي لحظر التمويل الدولي لحزب الله، يرى أنه يتضمن بعض نماذج «تشويه السمعة» كطلب القانون التحرّي عن «نشاطات حزب الله المتعلقة بالاتجار بالمخدرات» و«الاتجار بالبشر» و«النشاطات الجرمية الأخرى» (مع كل ما تحمله تلك العبارة الفضفاضة من احتمالات). لكن أيضاً يمكن للمشرّعين الأميركيين أن يستعينوا بالناشطين اللبنانيين ويستلهموا تهماً جديدة تعجّ بها بعض المقالات كـ«تجنيد حزب الله للأطفال» و«استخدام ذرائع دينية شيعية في خطابه» (وكأن حزب الله كان يخفي هويته الدينية ويقدّم نفسه على أنه حزب شيوعي ماركسي!) أو… كما اتهمته غدّار أخيراً بـ«تشديده على وجود «مقاومة» مستمرة وربطها بتحرير الأراضي المحتلّة». لكن، ألم تزل تلك «الأراضي المحتلة» محتلّة؟
الى جانب «كاتالوغ» الخارجية الأميركية، قد يضيف بعض الناشطين اللبنانيين كُتيّب «إرشادات تحويل تحرير الأراضي المحتلة الى تهمة».