2015 .. الفراغ يسد طريق الجمهورية
عام نكبات وارتكابات النظام و«حزب الله»
خمس سنوات مرّت على اشتعال الحرب في سوريا، منها ثلاث سنوات على انخراط «حزب الله» فيها، والنتيجة، مزيد من الدمار والتهجير والتشريد والقتلى والجرحى، وما بين كل هذه الجرائم والارتكابات، تظهر قضية شعب ثار على جلاّده يوم أراد الحياة، فكان الرصاص له بالمرصاد حيث لاحقه في كل زمان ومكان حتّى استحق لقب «الشعب الثائر»، منه تخرّجت دفعات من الشهداء الذين رسموا طريق حريّتهم من الأرض باتجاه السماء.
لم يمر العام 2015 على الوضع في سوريا كغيره من الأعوام التي سبقته أو تلك التي تلت قيام الثورة، إذ سُجّلت خلاله أعلى نسبة أحداث وتقلبات على أرض شهدت بشكل يومي خلال 1825 يوماً أحداثاً دمويّة نقلت للعالم أجمع صورة شعب ما زال يُذبح بعدما تآمرت عليه سلطته مع دول إقليمية وأحزاب خارجية وروت قصصاً عن حاكم جعل من أطفال بلاده متراساً للحفاظ على حكمه، وعن حزب روّج للوهم خلف الحدود حتّى نزفت دماء عناصره داخل هذه الحدود وخارجها وخلّفت وراءها أيتاماً وأرامل ودموعاً ما زالت تتحسّر على زمن كان يُنثر فيه الارزّ على مواكب تشييع الرجال الرجال، وتعلو فيه الزغاريد أثناء وداعهم خلال رحلاتهم الأخيرة.
لم يكن العام 2015 قد بلغ شهره الأخير، حتّى كان النظام السوري يرتكب أكثر من خمسين مجزرة ضد المواطنين، وقد وثّقت بعض المنظمات الحقوقية أكثر من ستين مجزرة تضمنت تجمعات مدنية ومدارس وأفراناً ومستشفيات، فيما كان حليفه «حزب الله» يغض الطرف عن هذه الجرائم، إن لم يكن مُشاركاً ببعضها بحسب «الموقع السوري لتوثيق جرائم الحرب السورية»، وهو الذي سار على خطاه في عمليات القتل والإبادة والتهجير، حتّى سجّل العام 2015 سقوط اكبر نسبة ضحايا خلال المعارك التي خاضها في كل من «القلمون» وريفي حلب وإدلب وفي العاصمة دمشق. لكن أبرزها وأشرسها تلك التي خاضها في مدينة «الزبداني» على مدى خمسة اشهر اضطر في بعض مراحلها الحرجة، إلى عقد صفقات ومفاوضات مع ثوّارها إثر الخسائر البشرية المرتفعة التي تكبّدها والتي أرهقته وحملت اليه اعتراضات من قبل جمهوره على هذه الحرب ولو كانت خجولة بعض الشيء، لكنّها اضطرته أو ألزمته في العديد من الأحيان، إلى إصدار بيانات توضيح في محاولة منه لامتصاص غضب بيئته وجمهوره خصوصاً يوم المشهد المُذل الذي وزّعه الثوّار على مواقع الإنترنت حيث يظهر فيه عناصر الحزب وهم يفرّون من أرض المعركة وسط صراخ وضياع في صفوفهم، ومشاهد أخرى كشفت عن عمق الأزمة بين قياداته الميدانية والعسكرية وبين عناصره الذين يتناوبون على الموت، بحسب ما قاله أحدهم عبر جهاز اللاسلكي أثناء إحدى المعارك.
ومن أبرز ما كُشف العام الماضي، كان زجّ «حزب الله» بالأطفال في الحرب السوريّة بحيث أكدت التقارير بالإضافة إلى بيانات التشييع التي كان أعلنها بنفسه، سقوط ما لا يقل عن خمسة عشر طفلاً تتراوح أعمارهم بين الرابعة عشرة والسادسة عشرة، بينهم من كان لا يزال على مقاعده الدراسية. أمّا النكبة الثانية فقد تمثلت بمشاهد لأطفال وهم يلحقون بنعوش أبائهم أو أشقّائهم، أو بالتمدد فوقها ومعانقتها على غرار الطفل ياسين الذي ما زالت صورته وهو يرتمي على نعش شقيقه محمد قاسم ياسين ماثلة في الأذهان، كتعبير منهم عن حالة الصدمة التي أصيبوا بها، من دون إغفال مشاهد أطفال آخرين تمت أدلجتهم على العنف، وهم يقسمون على الثأر لأقاربهم ويتوعّدون الشعب السوري بالاقتصاص منه في المستقبل.
من بين الأزمات التي عانى منها «حزب الله» نتيجة انغماسه في الحرب السوريّة، كانت الأرقام المرتفعة بشكل مُخيف لعدد عناصره الذين سقطوا، إذ سجلت معركة الزبداني وحدها ما لا يقل عن سقوط ثلاثمائة عنصر، مئتان منهم سقطوا في أقل من ثلاثة أشهر. كما انه لم يكن يمر يوم من دون أن ينعى الحزب فيه عناصر له، إلى درجة انه في كثير من الأحيان كان يضطر إلى نعي ما لا يقل عن ثمانية أو عشرة عناصر، حتّى بلغ عدد الذين نعاهم خلال يومين خمسة عشر عنصراً وهو الأمر الذي حصل قبل شهر واحد من نهاية العام.
وفي الواقع الميداني، يتأكد في كل يوم، أن كل خطط «حزب الله» وفرضيّاته وتأكيداته حول «النصر الموعود» قد سقطت ولم يعد لها أي وجود، خصوصاً في ظل خريطة سير المعارك التي فرضتها الفصائل السورية المعارضة على الأرض في أكثر من منطقة. «الوعود الصادقة» لم تتحقّق وظلّت حبراً على ورق وكلاماً في الهواء. «القلمون« لم تُحرّر والزبداني ما زالت «صامدة وتُقاوم«، والجرود التي قيل إنه تم تحرير أكثر من 85 في المئة من مساحاتها على يد «المقاومة»، تبيّن أن «داعش» وأخواته يسكنون على مقربة من عناصر الحزب والنظام في الجرود وداخل بعض قرى وبلدات القلمون. وبين المناوشات مع «التنظيم» حيناً، والسكون أحياناً عدة، رُصد ذات يوم تاجر المخدرات نوح زعيتر وهو يقوم في جولة على نقاط الحزب في الجرود وهو بكامل «أناقته» العسكريّة، مهدداً ومتوعداً «جبهة النصرة»، في حين كان «داعش» أقرب مسافة اليه من الأخيرة. هذا بالإضافة إلى قيام الحزب بتهريب مجموعة أشخاص مطلوبين للعدالة إلى بعض المناطق السورية التي يحتلّها وعلى رأسها مدينة القصير.
إلى جانب هذه الارتكابات، ثمّة ملف آخر أوقع «حزب الله» في المساءلة أمام أبناء وطنه وجمهوره بالدرجة الأولى. منظومة من الفساد قادها الحزب ورعاها استكمل بها العام الفائت ما كان بدأه مع منظومة المختلس صلاح عزالدين وبعده رجل الأعمال حسن تاج الدين الملاحق دوليّاً بتهمة تبييض الأموال، ثم استتبعه بشقيق وزيره محمد فنيش عبداللطيف فنيش المتهم بقضية الأدوية الفاسدة وتزوير احالة من وزارة الصحة، وبعده بحاتم الموسوي شقيق نائبه حسين الموسوي الذي يقف وراء مصانع الكابتاغون في البقاع، بالإضافة إلى رجل مافيا سرقة السيارات في لبنان هاشم الموسوي وهو الشقيق الثاني للنائب نفسه.
فاقد التركيز ومشتت الذهن. وصف ينطبق على الحالة التي يمر بها «حزب الله« هذه الفترة، فهو لا يعرف من أين يبدأ هجماته سواء العسكريّة أو السياسية وهو العاجز عن تقديم مشروع إلى جمهوره يكون بديلاً عن مشروع الدولة. وما يزيده تأرجحاً واهتزازاً، هزائم حلفائه في سوريا. ولكن، ما يُلخّص حكاية تدخّله في كل سوريا ولبنان، تلك الرسالة التي بعث بها والد طفل شهيد سوري قُتل في غارة للنظام في «الغوطة» والتي كانت أكثر تعبيراً عن واقع دعم الحزب للنظام السوري. «اليوم أحسدك يا سيد حسن نصرالله، فيوم استشهاد نجلك استطعت بعد استرجاع جثته أن تحتضنه للمرة الأخيرة وأن تُشبع نظراتك ونظرات والدته منه، لكن يا سيدي اليوم لم أتمكن من إلقاء النظرة الأخيرة على ولدي الذي ضاعت أشلاؤه بين أشلاء الآخرين«.