يستمر الوضع المُلتهب على الحدود الجنوبية مَدعاة للاهتمام الدولي المتعدد الأشكال، فيما يواصل مسؤولو الكيان الأسرائيلي التهويل ضد لبنان و«حزب الله» في حرب نفسية تبدو حتى إشعار آخر بديلاً عن الحرب الواسعة التي تدرك تل أبيب انّ حساباتها معقدة.
مع ذلك، فإنّ وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا بَدت خلال زيارتها الاخيرة لبيروت قلقة من احتمال تدحرج التصعيد، محذّرة من ان يغرق لبنان في حرب لن يتعافى منها، وداعية طرفي المواجهة الحدودية الى تطبيق القرار 1701.
وفي حين حرصت كولونا على تأكيد ضرورة التنفيذ الدقيق لهذا القرار، عُلم انّ الرئيس نبيه بري قال لها ان الاحتلال الإسرائيلي هو المُطالب أولاً باحترام مندرجات القرار والتقيّد به، لافتاً انتباه ضيفته الى انّ تل أبيب لم تحترم التزاماتها بتاتاً وبدأت في خَرقه منذ لحظة ولادته، عبر الانتهاكات اليومية للسيادة اللبنانية براً وجواً وبحراً.
واكد بري للوزيرة الفرنسية ان لبنان لا يريد الحرب، مشيراً الى انّ الطرف الاسرائيلي هو المعتدي ويجب أن يتوقف عن اعتداءاته.
وسرعان ما انتقل بري «المُتوثّب» من الدفاع الى الهجوم، مُعاتباً وزيرة الخارجية الفرنسية بالقول: لقد علمتُ أنك زرتِ أثناء وجودك في الكيان الاسرائيلي قاعدة عسكرية لجيش الاحتلال بالقرب من تل أبيب، تضامناً وتعاطفاً مع «إسرائيل»، وهذا الأمر هو مُستهجن صراحة.
وتؤكد مصادر واسعة الاطلاع انّ كولونا لم تستخدم أي لغة تهديدية في مداولاتها مع رئيسي مجلس النواب وحكومة تصريف الأعمال، بل اعتمدت نوعاً من الضغط الدبلوماسي الناعم لتنبيه المسؤولين اللبنانيين الى مخاطر التصعيد جنوباً وحَضّهم على ضرورة احتوائه قبل أن يتفاقم.
وتكشف المصادر انه كان هناك قرار متّخذ لدى احد المسؤولين بالامتناع عن استقبال كولونا مرة أخرى والتعاون معها لو انها نَحَت في اتجاه التهديد.
ويعتبر مواكبون لزيارات الموفدين الدوليين الى بيروت انّ المشكلة تكمن في انّ دولة الاحتلال وعواصم الغربية لا تزال تتصرّف كما لو انّ عملية 7 تشرين الأول لم تحصل، لافتين الى انّ هذا السلوك ينطوي على مكابرة واضحة وإنكار للواقع.
ويلفت هؤلاء الى انّ عملية طوفان الأقصى قلبت المعادلات، وما بعدها ليس كما قبلها، لكن ما يطرحه الكيان الاسرائيلي وبعض الغرب بالنسبة إلى مستقبل الوضع في غزة او في لبنان لا يجاري الدينامية المستجدة التي ولّدتها موقعة 7 تشرين الأول ولا يعترف بالتحولات التي تَرتّبت عليها.
وبناء على تلك المقاربة، يشير أصحاب هذا الرأي الى انّ الاسرائيلي المُترنّح على جبهتي غزة والجنوب ليس في موقعٍ يؤهّله لفرض الشروط وكأنه منتصر، وبالتالي يُفترض به وبداعميه ان يتواضعوا.
وربطاً بذلك، يشدد هؤلاء على انّ اي محاولة لتعديل او تحوير القرار 1701 بالشكل الذي يُناسب مصالح الكيان لن تمرّ. وبالتالي، فإنّ المطالبة بانسحاب «حزب الله» إلى وراء الليطاني هي سوريالية، وتعكس تَخبّط المُنادين بها، «علماً انّ الحزب ظل يحترم الى حد كبير، حتى 7 تشرين الأول، فحوى القرار لجهة عدم ظهور مسلحين أو سلاح في منطقة جنوب الليطاني، فيما كان جيش الاحتلال يُمعن في خرقه على كل المستويات».
وضمن سياق متصل، تؤكد اوساط على صِلة بـ«حزب الله» أن تهديدات قادة العدو بشن هجوم واسع اذا لم تنسحب المقاومة عبر الوسائل الديبلوماسية الى شمال نهر الليطاني، هي مجرد قنابل صوتية، لا تتعدى إطار إحداث الضجيج.
وتضيف الاوساط: اذا كان بنيامين نتنياهو قد هَدّد بتحويل بيروت الى غزة، فيجدر به ان يعرف انّ المقاومة أيضاً تستطيع أن تحوّل تل أبيب الى غزة في ايّ مواجهةٍ كبرى.
وتشير الى انّ قيادة الاحتلال تخشى في قرارة نفسها من المجهول الذي يُخفيه «حزب الله» أكثر مما تخشى المعلوم.