يوم الثلثاء الماضي، أقفل باب الترشّح لانتخاب 14 عضواً للهيئة التنفيذية للمجلس الأعلى للروم الكاثوليك وسط إصرار البطريرك يوسف العبسي على إجرائها في موعدها (الشهر المقبل)، رغم اعتراض عدد كبير من شخصيات الطائفة نظراً للظروف الصحية الاستثنائية التي كانت تحتّم بنظرهم تأجيل الانتخابات ربطاً بقانون اسقاط المهل القانونية.
موعد الاستحقاق، لم يكن وحده النقطة الخلافية التي سلّطت الضوء على المجلس الأعلى الذي يخبو طوال ثلاث سنوات، ويُبعث عشية كل انتخابات. اذ إنّ الضجيح الذي أثاره التنافس بين الكاثوليك حول موقع نيابة الرئيس، جذب الاهتمام إلى مجلس، تحوّل مع الوقت إلى “صالون لشرب القهوة” وإصدار بيانات فاترة، لا طعم لها ولا لون!
تاريخياً، كان الصراع محصوراً على نيابة الرئيس بين كاثوليك زحلة وكاثوليك بيروت، لذلك كان التوافق على اعتماد المداورة تخفيفاً من حدّة الخلافات. لكنّ تسلل السياسة أكثر إلى عمق المجلس الأعلى، زاد من وتيرة التوترات والصراعات الداخلية، ونزع أي دور عن هذه الهيئة، سواء كان ذا طبيعة إنمائيّة أو اجتماعيّة أو اقتصاديّة، وبطبيعة الحال لا إمكانية للعب دور سياسي في ظلّ الانقسام العمودي الذي يعطّل فعاليته.
راهناً، أثار سعي الوزير السابق سليم جريصاتي لتبوّؤ منصب نائب الرئيس كون هذه الدورة من حصّة زحلة، جبهة اعتراض قوية تكتلت بوجه مستشار رئيس الجمهورية، من خلال دعم ترشيح ابن زحلة أيضاً الوزير السابق سليم وردة، مع العلم أنّ حظوظ الأخير ضعيفة نظراً لتركيبة الهيئة التنفيذية (حوالى 40 عضواً)، التي قد تعطي الغلبة لجريصاتي مدعوماً بعدد كبير من الأعضاء المعينين من جانب البطريرك والمطارنة.
وسط هذا الضجيج الذي تجاوز حدود السياسة وصار أشبه بالتناول الشخصي، عاد مشروع التعديلات الذي سبق للوزير السابق ملحم رياشي أن تقدم به قبل حوالى سنتين لتعديل النظام الداخلي للمجلس الأعلى إلى الواجهة، لكونه خياراً ثالثاً من خارج الصراع. ويقول الرياشي لـ”نداء الوطن”: “سوف نلتقي أنا والنائب جورج عقيص البطريرك العبسي في الساعات المقبلة، ونطرح مخرجاً يكون بمثابة خشبة خلاص المجلس من صراعات لا تشبهه ولا تشبه أهداف تكوينه في الاساس، كما هي بعيدة عن المجتمع الملكي ودوره”.
وتابع: “على المجلس ان ينشط وطنياً وانمائياً وتربوياً واجتماعياً وان يكون كاثوليكياً، أي جامعاً وليس العكس كما يحدث الآن. إنّ ادخال المجلس الاعلى في صراعات سياسية هو بعيد عن السياسة قبل ان يكون بعيداً عن دوره. نحن لا نريده مجلسا ملّيا كسوانا، بل جسر عبور الى الآخرين”. وقال: “لن نقبل ان ينزلق المجلس الى سياسات الأزقّة بما لا يليق بدوره أو بدور الكنيسة، مشيراً رداً على سؤال، إلى أنّ ما يحكى عن صراع عوني- قواتي في المجلس هو غير حقيقي لأن “القوات” كحزب لم تتدخل ولا اعتقد أن الأحزاب المسيحية الاخرى تدخلت بدورها، لافتاً إلى أنّه “صراع شخصاني”، ولذا نرفض تسييس المجلس وتحويله الى منبر أو حلبة صراعات لكون دوره مختلفاً كلياً”.
وختم: “الحل الذي سنقترحه يقوم على مبدأ إلغاء المنصبين، نائب الرئيس والأمين العام ليكون البطريرك رئيسا للمجلس الأعلى تعاونه امانة سر من ثلاثة اعضاء ويعمل وفق برنامج تنموي، اجتماعي، إنساني هادف”.
وفي هذا السياق، يقول جريصاتي لـ”نداء الوطن” إنّ الضجيج الذي أثير حول الانتخابات حوّله من مرشح تسوية إلى مرشح ديموقراطي سيخوض الانتخابات بروح تنافسية، مشيراً إلى أنّ تعديل النظام الداخلي هو طرح مشروع يفترض أن يكون البند الأول على جدول أعمال الهيئة التنفيذية فور تكوينها من باب العمل على تعزيز دور الطائفة وحضورها. ما يعني أنّه لا مكان لطرح إصلاحي قبل الاستحقاق.
بدوره يشير وردة لـ”نداء الوطن” إلى أنّه كان من بين المتقدّمين بأفكار اصلاحية رفعها خطياً إلى اللجنة القانونية التي قامت خلال الفترة الماضية بصياغة كل التعديلات المطروحة ضمن ورقة واحدة، لكنها بقيت في “الجارور” بسبب الظروف الاستثنائية، مؤكداً أنّ تعديل النظام الداخلي سيكون من مهام الهيئة التنفيذية الجديدة، وبالتالي بعد حصول الانتخابات وليس قبلها.