ما يفترض ترقبه بعد الرد الإيراني الانتقامي على قتل الولايات المتحدة قائد “قوة القدس” اللواء قاسم سليماني، بقصف القاعدتين العسكريتين العراقيتين في محافظة الأنبار وأربيل واللتين يتواجد فيهما جنود أميركيون، هو إذا كان عدم سقوط قتلى أميركيين، يفتح الباب على تجديد المفاوضات بين طهران وواشنطن.
اغتيال سليماني وما سبقه من استهداف لقاعدة أميركية في كركوك نفذته “كتائب حزب الله” العراقي، ثم القصف الأميركي الدموي لمواقع هذه الكتائب على الجانبين العراقي والسوري من معبر القائم بين البلدين، رداً على مقتل متعاقد أميركي (تبين أنه عراقي – أميركي) وقبله وبعده سقوط قذائف على محيط السفارة الأميركية في بغداد، قادت إلى التصعيد الذي كان العراق مسرحه على مدى الأشهر الماضية. فالمفاوضات التي جرت بالواسطة بين طهران وواشنطن لم تثمر. تصلبت القيادة الإيرانية لاعتقادها أن التحركات الشعبية الاحتجاجية التي بدأت في الأول من تشرين الأول الماضي في العراق، وعنفت في المناطق الشيعية، فعلت أصوات المتظاهرين مطالبة بخروج إيران (واستهدفت سليماني) من بلاد الرافدين، هي من صنع الولايات المتحدة. ونسبت هذه القيادة الاحتجاجات الشعبية إلى المؤامرة الأميركية الإسرائيلية أكثر، حين اندلعت في لبنان ثم في إيران نفسها وانتشرت كالنار في الهشيم، فقمعتها الشرطة الإيرانية بوحشية، واعتبرت أن هدف واشنطن من دعمها في العراق ولبنان تقويض السلطة السياسية التي لها نفوذ حاسم فيهما.
كانت القيادة الإيرانية بدأت تسلك مسار الارتقاء في مواجهة “المؤامرة” الأميركية بطرح مطلب انسحاب القوات الأميركية من المنطقة، قبل أن تحدده هدفا إثر مقتل سليماني. بل إنها أخذت تهيئ لأرضية ميدانية للرد على محاولة “المؤامرة” الأميركية الإسرائيلية تقليص نفوذها وصولا إلى إرغامها على الانكفاء في العراق تمهيداً لتليين موقفها التفاوضي، عبر استخدام العقوبات الاقتصادية القاسية والمؤلمة، والانتفاضات ضد التردي الاقتصادي والمالي الناجم عنها، في أكثر من بلد. والمطلعون على تحرك سليماني نفسه في هذا السياق يسردون معطيات عن أن القلق من النتائج السياسية للاحتجاجات الشعبية في إيران والعراق ولبنان على دور طهران في الإقليم، دفعه إلى لقاءات تشاور مع الحلفاء. شمل التخوف الإيراني أيضا، من أن يؤدي تدهور الوضع الاقتصادي المعيشي في سوريا، المتردي أصلا، إلى خلط الأوراق السياسية فيها، فيزيد الطين بلة. بعض هذه الاجتماعات عقدها في دمشق بدءاً من نهاية تشرين الثاني الماضي وأوائل كانون الأول في حضور “حزب الله” والحوثيين والميليشيات الموالية لطهران في بلاد الشام، مثل “فاطميون” وبعض ممثلي “الحشد الشعبي” العراقي، لدراسة الواقع على الأرض وكيفية التصدي لما تخطط له واشنطن في استثمارها للعقوبات والثورات التي أطلقتها الأوضاع الاقتصادية.
لم يكن استهداف الحشد الشعبي لمواقع أميركية في العراق قبل الاغتيال، بعيداً من نتائج هذه اللقاءات. ولم يأت الشعار الوحيد الذي أطلقه المرشد علي خامنئي وسائرالقيادة والأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله بإخراج الأميركيين من المنطقة فور اغتيال سليماني من عبث.
ما يدعو إلى التساؤل عن إمكان العودة إلى سكة التفاوض هو أن صواريخ “الانتقام” الباليستية التي أصابت القاعدتين العراقيتين كانت “تقصدت” الحذر حسب ترجيح معظم التقارير، لتفادي قتل جنود أميركيين ولتجنب الانزلاق إلى مواجهة عسكرية كبرى مع الجيش الأميركي. ومن المؤكد أن مطلب الانسحاب الأميركي، إذا كان وارداً لدى إدارة دونالد ترامب، فتوقيته مبكر ومرتبط باستثماره في الانتخابات الرئاسية (بعد 10 أشهر) لمصلحته، مع اقترابها. فالبنتاغون أرسل 3 آلاف جندي إضافي إلى المنطقة، ليضافوا إلى الـ52 ألفا فيها تأكيدا للتصميم على ردع طهران. وقد تلجأ الأخيرة إلى عمليات محدودة، “مجهولة” الهوية ضد العسكريين الأميركيين لتسخين التفاوض إذا حصل، مع إعلان ترامب عقوبات جديدة أمس.